فالمراد بالشهادة بالاستصحاب إن كان بالمستصحب فهي شهادة بعلم لا بالاستصحاب، إذ لا ريب في أن من شهد اليوم بأن عمرا استقرض مثلا من زيد كذا عام أول، أو فلانة قد تزوجت فلانا، أو فلانا قد غصب من فلان كذا درهما فهو شاهد بما علم مثل الشمس ومثل كفه، ولا مدخلية للاستصحاب في ذلك، وليست الشهادة به، وتجويز النقيض بل ظنه به لا ينافي الشهادة المزبورة، بل علمه كذلك.
وإن أريد الشهادة بالاستصحاب بمعنى الشهادة الآن بشغل ذمته وكونها زوجته وإن لم يكن عالما بذلك بل كان مستند ذلك علمه السابق فلا ريب في عدم صدق تعريف الشهادة عليه، بل هو شاهد بما لا يعلم، وخصوصا إذا قال: أشهد الآن بشغل ذمته الآن ولكن لا أدري وفاه أم لا، فإنه متناقض قطعا، وليس بشهادة كذلك، فإن الاستصحاب وإن قلنا بحجيته شرعا لكنه ليس حجة في جواز الشهادة به الظاهرة لغة وعرفا في الجزم بالمشهود به وكونه مثل الشمس، نعم هو يشهد بالمعلوم عنده كذلك، والحاكم يجري حكم الاستصحاب مع فرض عدم المعارض، لا أنه حجة شرعا يسوغ له الكذب، فإن ظاهر عبارة الشاهد بل صريحها كونه معلوما لديه حسا لا شرعا، ومن هنا لم تجز الشهادة بشهادة العدلين إلا على طريق التحمل وكونها شهادة فرع لا أصل.
وحينئذ فلا بد من حمل الخبر المزبور على جواز الشهادة لحصول ضرب من العلم، أو لأن الاستصحاب كاف ولكن القضاء لا يكتفون إلا بالشهادة على الوجه المزبور، فسوغ له ذلك استنقاذا لمال المسلم أو على غير ذلك، كما أنه يجب إرادة ما يكون به الشاهد شاهدا من التحمل المزبور، لا أن المراد به الفرق بين الشهادة حال الأداء وحال التحمل، إذ هو واضح الفساد لأن الشهادة حال واحد ومعنى واحد كما هو واضح.