المنشأ للأوامر الامتحانية صفة أخرى في نفس المتكلم سوى الإرادة، ثبت أن المنشأ لجميع الأوامر هذه الصفة، لعدم القول بالفصل بين الأوامر الامتحانية وغيرها.
ونجيب عن هذا الاستدلال بأن المنشأ للأوامر مطلقا هو الإرادة، غاية الأمر أن المنشأ للأوامر الجدية إرادة نفس المأمور به، والمنشأ للأوامر الامتحانية إرادة إتيان مقدماته بقصد التوصل بها إلى المأمور به.
تفصيل ذلك: أن المقاصد التي تدعو المولى إلى الامر مختلفة: فبعضها مما يحصل بإيجاد العبد نفس المأمور به، مثاله جميع المقاصد و الغايات المنظورة من الأوامر الجدية، وبعضها مما يحصل بإيجاد المكلف مقدمات المأمور به، بقصد التوصل بها إلى المأمور به، بحيث لا دخالة لنفس المأمور به في ترتب الغاية المطلوبة أصلا. بل كل ما يحصل بفعل المأمور به مع مقدماته بقصد التوصل، يحصل بصرف فعل المقدمات بقصد التوصل أيضا، مثال ذلك أمره تعالى إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، فإن المقصود من هذا الامر لم يكن إلا وصول إبراهيم عليه السلام إلى الكمالات النفسانية ومرتبة كمال التسليم و الانقياد لرب الأرباب بإيثاره رضاية ربه على محبة الولد، وهذه الكمالات النفسانية كانت تحصل له بصرف إتيانه مقدمات الذبح بقصد التوصل بها إلى نفس الذبح، بحيث كان وقوع نفس الذبح خارجا وعدم وقوعه متساويين في ذلك.
ففي القسم الأول، يكون منشأ الامر إرادة نفس الفعل، وفي القسم الثاني منشأه إرادة إتيان المقدمات بقصد التوصل. والامر بالفعل إنما هو بداعي حصول هذا القصد في نفس العبد، وإلا فالفعل لا دخالة له في حصول الغاية أصلا، فالذي أراد الله تعالى من إبراهيم عليه السلام هو نفس إتيان مقدمات الذبح بقصد التوصل بها إليه، فلما أوجدها نزل في حقه (قد صدقت الرؤيا) فتأمل.
(الثاني):
مما استدل به الأشاعرة هو أن الكفار وأهل العصيان كلهم مكلفون بما كلف به أهل الإطاعة والايمان بضرورة من الأديان وحينئذ إن لم يكن في نفس المتكلم صفة وراء الإرادة حتى تكون تلك الصفة منشأ للامر وعلة له وكان منشأه الإرادة، لزم في تكليف الله تعالى الكفار وأهل العصيان تخلف إرادته عن مراده، وهو باطل بالضرورة، فيكشف ذلك عن وجود صفة أخرى له تعالى، سوى الإرادة، حتى تكون تلك الصفة منشأ لأوامره اللفظية. وتسمى بالطلب الحقيقي.
وأجاب المتكلمون عن هذا الاستدلال بأن منشأ الامر اللفظي ليس سوى الإرادة، وأن إرادة