الانسانية وهي تمام ذاتيهما، وممتازان بالعوارض المشخصة.
وهاهنا قسم رابع قد اختلف في وجوده أهل المعقول، وهو أن يشتركا في تمام الذات ويمتازا أيضا بتمام الذات، فيكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز. [1] وبعبارة أخرى يكون الامتياز بين الحقيقتين المشتركتين في تمام الذات، بكون الحقيقة كاملة وشديدة في إحداهما، ناقصة وضعيفة في الأخرى، مثل الخط القصير والطويل، فإنهما مشتركان في الخطية و ممتازان أيضا بالخطية، وكالبياض الشديد والضعيف.
إذا عرفت هذا فنقول: قد يتوهم أن الامتياز بين الوجوب والندب اللذين هما قسمان من الطلب الانشائي بجز ذاتيهما بأن يكونا مشتركين في الجنس وهو الطلب، ويتفصل كل منهما بفصل مختص به، وما يمكن أن يعد لهما فصلا أمور:
الأول: أن يكون الفصل للوجوب المنع من الترك، وللاستحباب الاذن في الترك. وفيه: أن معنى كلمة المنع ليس إلا التحريك نحو الترك أعني طلب الترك، فإذا أضيف هذا إلى لفظ الترك صار حاصل معناه طلب ترك الترك وهو عبارة أخرى عن طلب الفعل المعد جنسا.
الثاني: أن يقال إن الوجوب هو الطلب الموجب لاستحقاق العقوبة عند مخالفته، والاستحباب هو الطلب غير الموجب له. وفيه: أن الوجوب بعد تحصله وصيرورته وجوبا يصير موجبا لاستحقاق العقوبة، فإيجاب الاستحقاق من لوازمه وآثاره لا من مقوماته.
الثالث: أن يقال إن الوجوب هو الطلب المسبوق بالإرادة الشديدة، و الاستحباب هو الطلب المسبوق بالإرادة الضعيفة. وفيه: أن الإرادة من العلل الباعثة على الطلب، والمعلول بتمام ذاته متأخر عن العلة، و لا يمكن أن يكون صدور المعلول عن علته من مقوماته وأجزائه.
وأضعف من هذا أن يقال: إن الوجوب هو الطلب المسبوق بالمصلحة الحتمية، والاستحباب هو الطلب المسبوق بالمصلحة غير الملزمة.
ووجه الضعف أن المصالح والمفاسد متقدمة رتبة على الإرادة لكونها من عللها، فيكون الطلب متأخرا عن المصالح والمفاسد بمرتبتين، فلا يصح عدها من مقومات الوجوب والاستحباب، اللذين هما قسمان من الطلب.
وقد يتوهم كون امتياز الوجوب والندب بالشدة والضعف كالخط الطويل والقصير مثلا.
[1] قال في المنظومة: الميز إما بتمام الذات - أو بعضها أو جاء بمنضمات - بالنقص والكمال في الماهية - أيضا يجوز عند الاشراقية.