والمرسلين عليه السلام، ثم إعطاؤه زمام اختياره بيده حتى يفعل ما يشأ، فقوله: (من نطفة أمشاج)، إشارة إلى تركيب روحه من الرقائق، وقوله: (فجعلناه سميعا بصيرا) إيماء إلى القوة العاقلة، وفي قوله:
(إنا هديناه السبيل) دلالة على إرسال الرسل وإنزال الكتب.
وبالجملة: ما ذكرناه يستفاد من خلال الآيات والاخبار، فمن الآيات هذه الآية، ومنها أيضا قوله تعالى: (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم) حيث إن الانسان مع التئام روحه من اللطائف المختلفة إذا غلب فيه جانب بعضها كالشهوة أو الغضب مثلا، ربما أدى ذلك إلى الخسران الذاتي وزوال الملكات الحسنة - التي بها إنسانية الانسان - بالكلية، ولا يتعقل لخسران النفس معنى إلا هذا. وأما الأخبار الدالة على هذا المعنى فكثيرة، مثل ما ورد من أن في قلب الانسان نكتتين: نكتة بيضاء، ونكتة سوداء، فإذا صدرت عنه المعصية زاد السواد بحيث ربما يؤدي إلى اضمحلال النكتة البيضاء بالكلية، ومثل ما ورد من أن لقب الانسان أذنين ينفخ في إحداهما، الملك وفي الأخرى، الشيطان، ومثل ما ورد من أن الله تعالى بعد ما أراد خلق آدم أمر جبرئيل بأن يقبض قبضات من السماوات السبع وقبضات من الأرضين السبع ليخمر طينة آدم منها، إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على التئام الروح الانساني من العوالم المختلفة، فراجعها و تدبر.