وثانيا: ان اشمئزاز العقل من محتمل الضرر ليس من جهة دركه فيه بما هو محتمل، ملاكا ملزما وراء نفس الضرر المحتمل على فرض ثبوته، بل غاية ما يحكم به هو انه لو ارتكبه أمكن ان يصادف الضرر الواقعي من دون ان تترتب على ارتكاب المحتمل بما هو محتمل مفسدة أخرى، وليس كل ضرر مما يحرم شرعا ارتكابه ولو في صورة القطع به.
نعم غاية ما تستفاد من الأدلة الشرعية، حرمة ارتكابه إذا أوجب نقصا في الأعضاء أو إهلاكا للنفس وقاعدة الملازمة على فرض ثبوتها انما تجري في المستقبحات التي تشمئز منها جميع العقول وتستقل بقبحها من قبيل الظلم ونحوه لا مثل الاضرار بالنفس إذا كان يسيرا.
وثالثا: على فرض حرمة مطلق الضرر شرعا يكون احتماله من قبيل الشبهات الموضوعية فيخرج عما نحن فيه وسيأتي بيان حكمها.
2 - ومما توهم ورودها على قاعدة قبح العقاب بلا حجة، أصالة الحظر.
فربما يقال: انا نسلم ان صرف الاحتمال لا يكفي لتنجيز الواقع ولكن حكم العقل بالحظر في الافعال يكفي بيانا ومسألة الحظر و الإباحة كانت مبحوثا عنها بين القدماء من الفريقين وموضوعها تصرف العبيد في الأعيان الخارجية أو مطلق أفعالهم مع قطع النظر عن ورود الشرع، فكان بعضهم يقول: بالحظر في الافعال المتعلقة بالأعيان الخارجية، وبعضهم بالحظر في مطلق الافعال سوى الافعال الضرورية كالتنفس ونحوه والباقون بالإباحة وملخص مدعى القائل بالحظر، هو ان العبد بشراشر وجوده وكذا الأعيان الخارجية ملك لله تعالى ومما يستقل به العقل، عدم جواز تصرف أحد في ملك غيره وحدود سلطنته الا بإذنه لكونه من شعب الظلم عليه فلا يجوز للعبد ان يتصرف في حدود سلطان الله تعالى حتى مع القطع بعدم صدور تحريم منه تعالى الا ان يثبت الاذن والترخيص من قبله و نفس هذا المعنى يكفي بيانا وحجة على الواقع فيما احتمل حرمته فيصلح للمولى العقاب عليه.
ولا يخفى ان موضوع البحث في البراءة والاحتياط هو الشك في الحكم الواقعي، وفي مسألة الحظر والإباحة، افعال المكلفين مع قطع النظر عن الشرع حتى مع العلم بعدم نهى فيها من قبل الشارع ولكن إثبات الحظر في هذه المسألة يكفي للقول بالاحتياط في تلك المسألة إذ جواز الارتكاب على هذا الفرض يتوقف على العلم بالترخيص ففي صورة الشك أيضا يكون الحكم هو عدم جواز الارتكاب.
ولكن مبنى القول بالحظر فاسد، فإن عنوان التصرف في ملك الغير بما هو هو ليس