من المسلمين قد ضربوا الفسطاط خارجا من العسكرين، فسئل عن حالهم فقيل له هؤلاء يقولون انا لا نقاتل أهل القبلة حتى يثبت لنا بغي أحدهما على الاخر إذ لم يثبت لنا جواز قتالهم الا حينئذ، حيث قال الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى أمر الله). فلما سمع علي عليه السلام هذه المقالة قال: هذا هو الفقه ولم يردع مقالتهم، فهؤلاء وان قصروا في باب الإمامة، الا انهم حسب اعتقادهم في الإمامة من عدم وجوب إطاعة الامام الا فيما يوافق الكتاب والسنة، انعزلوا عنه عليه السلام، فان نظرهم إلى الامام كالنظر إلى الخلفاء والسلاطين.
وكيف كان، فلم يصل إلينا مورد ردع فيه أحد من الأئمة عليهم السلام، أحدا من أصحابهم عن التمسك بالكتاب، بل كان من دأبهم إرجاعهم إليه كما في مسألة المسح على المرارة ونحوها.
واما ردع (أبي حنيفة) و (قتادة) فإنما هو لأجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه من دون مراجعة إلى أهله ورفضهم أحد الثقلين و الحجتين الذين تركهما النبي صلى الله عليه وآله حيث إن بنائهم كان على الاستدلال بالكتاب والسنة النبوية ثم القياس والاستحسان بمقايسة الوقائع غير المنصوصة بأشباهها والحكم بالمناسبات والملاكات المظنونة، مع أن النبي صلى الله عليه وآله ترك لهم حجتين و أوجب عليهم المراجعة والتمسك بهما معا، وهذا غير باب الإمامة والخلافة، فلو لم يدل خبر الثقلين على إمامة العترة فدلالته على حجية قولهم في عرض ساير الحجج مما لا ينكر، وهم عليهم السلام لاطلاعهم على ملاكات الاحكام، كانوا عالمين بموارد التخصيص والتقييد وغيرهما، كما استفادوا من عدم الجناح في آية التقصير، العزيمة مع وقوعه في مقام توهم الحظر، واستفادوا خروج كثير السفر مثلا من الحكم من جهة كون الحكمة في القصر خروج المسافر بسفره عن حالته الطبيعية وانتفاء هذا المعنى في المكاري وغيره وغير ذلك.
وبالجملة، فردع أبي حنيفة وقتادة، كان لرفضهما إحدى الحجتين في مقام الافتاء والتفسير، والمراجعة إلى خصوص الكتاب، مع أن مقيداته ومخصصاته ونواسخه وغيرها لا تعلم الا من قبلهم عليهم السلام ولا يختص ذلك بالكتاب، إذ لم يكن لهما العمل بالنسبة النبوية أيضا قبل الفحص عن مخصصاتها ومقيداتها بالمراجعة إليهم عليهم السلام.
ويدل على ما ذكرنا، قوله عليه السلام لأبي حنيفة: (وتعرف الناسخ من المنسوخ) وقوله له: