هذا مع أنه ورد في الخطب والروايات لا سيما خطب نهج البلاغة، التحريض والترغيب على العمل بالقرآن وحفظه وتعظيمه وبيان شأنه فلو كان محرفا لما صدرت عنهم هذه الأخبار الكثيرة في شأنه.
واما الأخبار الواردة في تحريفها، فهي وان كانت كثيرة من قبل الفريقين ولكنه يظهر للمتتبع ان أكثرها بحيث يقرب ثلثيها مروية عن كتاب (أحمد بن محمد السياري) من كتاب (آل طاهر) وضعف مذهبه وفساد عقيدته معلوم عند من كان مطلعا على أحوال الرجال.
وكثير منها - يقرب الربع - مروي عن تفسير (فرات بن إبراهيم الكوفي) وهو أيضا مثل (السياري) في فساد العقيدة، هذا مع أن أكثرها محذوف الواسطة أو مبهمها.
وكثير منها معلوم الكذب، مثل ما ورد من كون اسم علي عليه السلام مصرحا به في آية التبليغ وغيرها، إذ لو كان مصرحا به لكان يحتج به علي عليه السلام في احتجاجاته مع غيره في باب الإمامة، ومثل ما ورد في قوله: (يا ليتني كنت ترابا) انه كان في الأصل (ترابيا) ونحو ذلك مما يعلم بكذبها . [1] وبالجملة، فقد نقل كثير من العامة والخاصة روايات في مقام تنزيه أئمتهم وتجليلهم وبيان مثالب أعدائهم وضيعوا بذلك القرآن، فمما رواه العامة، روايات دالة على أن عمر، جاء عند أبي بكر في زمن خلافته وقال: ان سبعين من قرأ القرآن قتلوا في غزوة يمامة فيخاف على القرآن ان يضمحل، فلعلك أمرت بجمعه وترتيبه حتى لا يضيع فأبى أبو بكر أولا، معتذرا بعدم الاقدام على ما لم يقدم عليه النبي صلى الله عليه وآله ثم رضى بذلك، فأمر زيد بن ثابت بجمع القرآن وقال له كل من ادعى ان عنده آية، فطالبه بشهيدين عدلين واقبل منه، فجمع زيد القرآن بهذا الترتيب، وقد جمع هذه الأخبار، السيوطي في تفسيره وكان غرض العامة في نقل هذه الروايات، بيان فضل أبي بكر وعمر وكمال خدمتهما بالاسلام، ومن قبلهم ألقى هذه الروايات في الخاصة وقد فرط العامة في نقل هذه الروايات التي بها تهدم عظمة القرآن، إعظاما لامر الخليفتين كما أفرط الخاصة في نقل الروايات الدالة على أن عليا جمع القرآن وأتى به إلى الناس فقالوا:
[1] ومثل ما ورد من كون المنافقين، مذكورين بأسمائهم وهل يحتمل أحد ان النبي كان يقرأ سورة المنافقين في صلاة الجمعة مصرحا باسم أبي بكر وعمر وغيرهما مع كونهم مقتدين به، فهذه الروايات تحمل على كون ما ذكر فيها مقصودا بالآية وتفسيرا لها، فافهم ح - ع - م.