فلا يكون الظاهر عنده حجة بالنسبة إليه الا من باب الظن المطلق، وهذا المعنى هو عمدة ما دعاه إلى الالتزام بالانسداد وحجية الظن المطلق لا المناقشة في الاخبار من حيث إسنادها.
ووجه كلامه (الشيخ) (قده) في الرسائل بما حاصله: ان ظهور اللفظ ليس حجة الا من باب الظن النوعي وهو كون اللفظ بنفسه لو خلى و طبعه مفيدا للظن بالمراد، فإن كان مقصود المتكلم من الكلام افهام من قصد إفهامه فيجب عليه إلقائه على وجه لا يقع الملقى إليه في خلاف المراد بحيث لو فرض وقوعه فيه لكان اما لغفلة منه في الالتفات إلى ما اكتنف به الكلام واما لغفلة المتكلم من إلقائه على وجه يفي بالمراد، ومعلوم ان احتمال الغفلة من المتكلم أو السامع مما لا يعتنى به العقلا، واما إذا لم يكن الشخص مقصودا بالافهام فوقوعه في خلاف المقصود واختفاء القرائن منه لا ينحصر سببه في الغفلة من المتكلم أو السامع، بل يمكن ان يكون لدواع خارجة غير مربوطة بهما، فان احتمال وجود القرينة حين الخطاب واختفائه علينا، احتمال راجع حتى لو تفحصنا عنها ولم نجدها لا تحكم العادة بأنها لو كانت لظفرنا بها، لكثرة ما خفيت علينا، مع أنه لو سلمنا حصول الظن بانتفاء القرائن المتصلة، لكن احتمال القرائن الحالية والمنفصلة المعلومة عند المخاطب المعتمد عليها المتكلم، بحاله ولو بعد الفحص. وبالجملة، فظواهر الألفاظ حجة، بمعنى عدم الاعتناء باحتمال خلافها إذا كان منشأ الاحتمال غفلة المتكلم في كيفية الإفادة أو المخاطب في كيفية الاستفادة، دون ما إذا كان مسببا عن احتمال اختفاء أمور لم تجر العادة بأنها لو كانت لو صلت إلينا، انتهى ما ذكره (الشيخ) (قده) لتوجيه كلامه.
أقول: ويرد على ذلك أولا: بأنه كما جرت سيرة العقلا على الاحتجاج بالظواهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه، فكذلك جرت سيرتهم على الاحتجاج بها بالنسبة إلى من لم يقصد، الا ترى انه إذا قال المولى لبعض عبيده: (قل لفلان يفعل كذا) - وكان هذا أيضا من عبيده - فسمع الكلام من وراء الجدار ولم يعمل على وفق ظاهره، عد عاصيا عند العقلا وحسنت عقوبته وان لم يقصد إفهامه ولا يسمع منه الاعتذار بأنه لم يكن مقصودا بالافهام أو بأنه احتمل اتكأ المولى على أمور مرتكزة في ذهن من قصد إفهامه موجبة لانصراف الظاهر عما هو ظاهر فيه.
وثانيا: بان احتمال القرائن الحالية والمتصلة والمنفصلة، يتصور في حق من قصد إفهامه أيضا من دون ان يكون لأحدهما غفلة فان الواجب على المتكلم إلقاء الكلام على المخاطب