الحكم الظاهري، للواقع فهو المطلوب، ولم يلزم منه محذور ملاكي، و إذا خالفه فان الواقع ولكن لا بسبب الامارة، بل بسبب الجهل به، حيث عرفت ان الاحكام بوجوداتها الواقعية لا تؤثر في نفس العبد، و الاحتياط أيضا مرغوب عنه شرعا لاشتماله على المفسدة، ففوت الملاكات الواقعية يستند دائما إلى جهل المكلف [1] وجعل الامارة خير محض لترتب انحفاظ الواقعيات عليه عند الإصابة فلا يلزم محذور ملاكي من جعلها أصلا.
ولا يخفى، ان الاعتبار في ذلك بعلم المولى لا بعلم العبد وجزمه، فإذا رأى المولى ان في ترك جعل الامارات تفويتا لأكثر المصالح و إلقاء في كثير من المفاسد، فلا محالة يجب عليه جعلها وإن كان باب الجزم مفتوحا للعبد ولكن كانت الامارات أغلب مطابقة للواقع من جزمه، فالتفصيل بين انفتاح باب العلم للعبد وانسداده، في غير محله، بل الأولى، التفصيل بين ما إذا كانت الامارات احفظ للواقعيات و بين ما إذا كان إحالة العبد إلى جزمه احفظ لها، فيجب جعلها في الأول دون الثاني. فافهم.
فتلخص مما ذكرنا، ان جعل الامارات على نحو الطريقية، لغرض حفظ الواقعيات، وان الإصابة إليها محض خير جاء من قبلها، وان فوت بعض الواقعيات لا يستند إلى هذا الجعل، بل إلى جهل المكلف بالواقعيات.
هذا كله بناء على الطريقية كما هو الأقوى، وأما السببية، فقد قال الشيخ (قده) إنها على ثلاثة أنحاء:
[1] لا يخفى ان ما ذكره الأستاذ مد ظله يتم في الشبهات البدوية كما إذا كان ما يعلم من الاحكام بمقدار ينحل به العلم الاجمالي بوجود الاحكام في الشريعة، واما إذا لم يكن كذلك، بل كان العلم الاجمالي باقيا بحاله فلا يمكن اسناد فوت الواقعيات إلى جهل المكلف ولا إلى الامارات المجعولة، بل إلى اشتمال الاحتياط على مفسدة تامة موجبة للزجر عنه ففي الحقيقة يستند إلى زجر المولى عن الاحتياط. و لا يخفى ان ادعاء انحلال العلم الاجمالي مع قطع النظر عن الامارات في غاية البعد. ثم لا يخفى أيضا ان في الشبهات البدوية أيضا يمكن استناد فوت بعض المصالح - مثلا - إلى جعل الامارة، كما إذا كان هناك علم إجمالي صغير فانحل بالامارة المخالفة للواقع، وكما إذا كان عموم لفظ أو إطلاق، مطابقا للواقع فقامت أمارة أخرى على تخصيصه أو تقييده، فقيام هذه الامارة صار سببا لفوت الواقع، ولكن يجاب عن ذلك بأنه شر قليل يجب تحمله ليحصل النفع الكثير.
واعلم أيضا ان ما ذكره الأستاذ مد ظله من كون جعل الاحكام الظاهرية لغرض حفظ الواقعيات، لا يجري في الامارات المرخصة و أصل الإباحة مثلا. فافهم ح - ع - م.