الاخبار، ان حجيتها كانت مفروضة الوجود في زمن الأئمة عليهم السلام، وان الآيات والروايات الكثيرة الواردة في الباب، ليست بصدد جعلها تأسيسا، بل وردت بعد فرض حجيتها لبيان بعض الخصوصيات، أو الصغريات الراجعة إليها، أو للردع عن بعضها. الا ترى ان آية النبأ، انما وردت بعد عملهم بخبر الوليد على حسب ارتكازهم، فورودها لم يكن لتشريع الحجية بالنسبة إلى قول العادل، بل للردع عن خبر الفاسق، وسيأتي تفصيل ذلك في محله.
وبالجملة، فما هو الثابت في الامارات ليس الا الطريقية الموجبة لتنجز الواقعيات.
توضيح ذلك: انك قد عرفت سابقا ان الأحكام الواقعية قد جعلت لموضوعاتها بعناوينها الأولية غير مقيدة بالعلم بتلك الاحكام، أو الجهل بها، ولكن حيث إن الحكم انما يكون لايجاد الداعي في نفس العبد إلى إتيان متعلقه، والغاية المقصودة من جعله كانت انبعاث العبد و انزجاره وكانت داعويته وترتب هذه الغاية عليه متوقفة على العلم به، لكونه بوجوده العلمي داعيا ومحركا، فلا محالة يكون غرض المولى من جعله، ان يعلم به العبد فينبعث، لما عرفت من قصور الحكم بوجوده الواقعي عن كونه داعيا، فإذا تعلق شوق المولى و إرادته إلى حصول فعل من عبده مشتمل على المصلحة، تتولد من هذه الإرادة اراده بعث العبد نحوه، ولكن لا بغرض الانبعاث مطلقا بل بغرض ان ينبعث به في صورة العلم به.
والحاصل ان الغاية الأولية وان كانت حصول الفعل من العبد مطلقا، و تولدت من الشوق إليه إرادة انبعاث العبد نحوه ومن هذه الإرادة إرادة البعث والزجر، ولكن لما كان ترتب الانبعاث على البعث موقوفا على العلم به، فلا محالة تصير مطلوبية الانبعاث محدودة بصورة العلم بالبعث وتكون الغاية المقصودة من إيجاد البعث بنحو الاطلاق، ان يعلم به العبد، فينبعث، لا الانبعاث مطلقا.
وحينئذ، فإذا أراد المولى تحقق المتعلق في صورة الجهل أيضا، وجب عليه جعل أحكام ظاهرية موجبة لتنجز الواقعيات الموجودة في ضمنها من دون أن تكون مشتملة على مصالح في متعلقاتها، بل جعلت لمصلحة حفظ الواقعيات، وحيث انها قد تطابق الواقع بحسب نفس الامر وقد تخالفه، ولم تكن موارد المطابقة ممتازة عن موارد المخالفة، فلا محالة وجب عليه جعل هذه الأحكام الظاهرية بنحو الكلية، و يكون حفظ الواقعيات بمنزلة الحكمة لجعلها، كما في تشريع العدة على نحو الاطلاق لغرض الحفظ عن اختلاط المياه، فعلى هذا لا يجب تحقق الملاك في جميع الموارد الجزئية بل المصلحة النوعية تكفي حكمة لجعل الحكم الكلي. وحينئذ فإذا