مراتب الحكم:
اعلم أن شيخنا الأستاذ قال في الكفاية وساير كتبه: ان للحكم أربع مراتب: الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز. فالأولى، عبارة عن المصالح والمفاسد الكائنة في متعلقات الاحكام. والثانية عبارة، عن الانشاء الصادر لا بداعي البعث والزجر. والثالثة: عبارة عن مرتبة البعث والزجر. والرابعة: عبارة عن مرتبة وصوله إلى العبد بالعلم أو بما يقوم مقامه. هذه خلاصة كلامه زيد في علو مقامه.
وفيه نظر: فان ما ذكر من المراتب الأربعة ليست مراتب لحقيقة واحدة بل هي أمور متباينة.
بيان ذلك: ان هذا التعبير انما يصح فيما إذا كان حقيقة واحدة مقولة بالتشكيك وهي ما تكون في عين وحدتها ذات مراتب متفاوتة بالشدة والضعف مع انحفاظ أصل حقيقتها في جميع المراتب كالنور الصادق على نور الشمس والسراج مثلا. وما نحن فيه ليس كذلك إذ ما يستحق ان يطلق عليه اسم الحكم (هو الانشاء الصادر بداعي البعث أو الزجر) وليس الانشاء المجرد عن هذا الداعي أو المصالح و المفاسد من المراتب الضعيفة لهذا المعنى.
نعم: المصلحة والمفسدة علتان لتحقق الحكم ومن البديهيات عدم كون مثل هذه العلة، مرتبة من المعلول.
واما التنجز: فعدم كونه من مراتب الحكم أوضح بل هو ما يتصف به بعض الأحكام أعني ما يشتمل على الالزام باعتبار مقارنة هذا الحكم لعلم المكلف أو ما يقوم مقامه.
وبالجملة: فهو امر يصدق في التكاليف الالزامية فقط التي توجب مخالفتها العقاب وليس صدقه من جهة صيرورة الحكم في مرتبته قويا، بل من جهة مقارنة الحكم لامر خارج عن حقيقته أعني العلم وما يقوم مقامه.
والحاصل: ان الاقتضاء والانشاء المجرد والتنجز، لا يصلح ان يطلق عليها الحكم. ولو أبيت الا عن إطلاقه عليها بالمسامحة فليعلم ان إطلاقه على واحد منها بالحقيقة وعلى غيره بالمسامحة.
والتحقيق ان يقال: ان للحكم مرتبتين: الشأني والفعلي.
بيان ذلك: انك قد عرفت آنفا ان الحكم عبارة عن الانشاء الصادر بداعي البعث أو الزجر لا الانشاء المجرد عنهما ومن الواضحات عدم حصول الانبعاث أو الانزجار من نفس هذا الانشاء ما لم يتعلق به العلم، فعلى هذا لا يكون غرض المولى من إنشائه حصول الانبعاث مثلا من نفس