وبالجملة اختلاف نتيجة الاطلاق بالبدلية والاستغراق إنما هو من مقتضيات الاحكام المتعلقة بها، وإلا فمعنى الاطلاق في جميعها ليس إلا جعل حيثية الطبيعة تمام الموضوع للحكم، من دون أن يلحظ السريان فضلا عن البدلية أو الاستيعاب، وعلى هذا فلا يرد ما أورده بعض أعاظم العصر من أن مقدمات الحكمة إما أن تنتج السريان البدلي أو السريان الاستيعابي، فلم يحكم في بعض الموارد بهذا وفي بعض الموارد بذاك؟ ولا يصح الجواب عن ذلك بأن نتيجة المقدمات هو أصل السريان، والخصوصيات تستفاد من قرائن المقام، بل الحق في الجواب: أن نتيجة المقدمات هو الارسال لا السريان، ومعنى الارسال هو عدم تقييد الطبيعة في مقام الموضوعية للحكم، و جعلها تمام الموضوع له، لا لحاظ الشياع والسريان، غاية الأمر أن نتيجة كونها تمام الموضوع تختلف باختلاف الاحكام المتعلقة بها، ففي الأوامر تكون النتيجة هي العموم البدلي، وفي النواهي والاحكام الوضعية العموم الاستغراقي، ولذا يطلق على البيع في قوله تعالى:
أحل الله البيع العام، كما يطلق عليه المطلق، فالثاني باعتبار كون حيثيته تمام الموضوع للصحة، بحيث لم تنضم إليه حيثية أخرى في مقام الموضوعية، والأول باعتبار أن نتيجة الاطلاق في المقام شمول الحكم المتعلق بالبيع لجميع أفراده. [1] التنبيه الثالث: الطبيعة المتعلقة للاحكام التكليفية والوضعية:
لا يخفى ثبوت الفرق بين الطبيعة الواقعة في حيز الامر أو النهي، وبين الطبيعة الواقعة في حيز الأحكام الوضعية، فإن الامر لطلب إصدار الطبيعة وإيجادها والنهي للزجر عن إصدارها، فالطبيعة الواقعة في حيزهما غير مفروضة الوجود، وإنما أريد بالامر إيجادها، و بالنهي إبقاؤها على حالة العدم. وأما الأحكام الوضعية فمتعلقها هو الطبيعة المفروضة الوجود، فيكون الحكم ثابتا - بنحو القضية الحقيقية - لوجوداتها المفروضة، بما هي وجودات له، فعتق الرقبة في نحو (أعتق رقبة) أو (لا تعتق رقبة) [1] أقول: قد اشتهر بينهم أن كل عام مطلق وكل مطلق عام، والفرق بين العام والمطلق أن إطلاق المطلق على حيثية إنما هو باعتبار كونها تمام الموضوع وأنه لم ينضم إليها حيثية أخرى في الموضوعية، وفي مقابله التقييد، وإطلاق العام عليها باعتبار شمول الحكم المتعلق بها لجميع في الموضوعية، وفي مقابله التقييد، وإطلاق العام عليها باعتبار شمول الحكم المتعلق بها لجميع أفرادها، وفي مقابله التخصيص، وقد يفرق بينهما بأن العام ما لوحظ فيه الكثيرة وجعل الطبيعة فيه ما به ينظر، بخلاف المطلق فإنه لم يلحظ فيه الكثرة فضلا عن جعل الطبيعة مرآة لها. وقد يفرق أيضا بأن العام لا يطلق إلا على ما يكون شموله بالوضع، سواء كان استيعابيا أم مجموعيا أم بدليا، والمطلق يطلق على ما كان الشمول فيه بقرينة الحكمة. ح - ع - م.