والضابط الكلي في أحكام هذه الصور، انه اما ان يتمكن المكلف من الموافقة القطعية واما ان يتمكن من الموافقة الاحتمالية ويمكنه المخالفة القطعية أيضا واما ان لا يتمكن من الموافقة القطعية ولا المخالفة القطعية. فعلى الأول يتنجز عليه الواقع في أي طرف كان و على الثاني يجب عليه الموافقة الاحتمالية، فلو تركها عوقب على مخالفة الواقع. وحينئذ فإن كان أحد الطرفين مظنون المطابقة للواقع تعين أخذه، لحكم العقل بوجوب كون العبد بصدد إحراز الواقع مهما أمكن والظن أقرب إلى إحرازه من الوهم، وان تساوى الطرفان كان مخيرا في أخذ أي من الطرفين، وعلى الثالث يدور الامر بين المحذورين فيثبت التخيير أيضا ان لم يكن في البين ظن.
والفرق بين التخييرين واضح، إذ التخيير في دوران الامر بين المحذورين قهري إذ لا يتمكن العبد بحسب الفرض من فعل كلا الطرفين ولا من تركهما، ففي هذه الصورة، وجود العلم الاجمالي كعدمه، لا تنجيز له بالنسبة إلى الواقع أصلا، وهذا بخلاف التخيير في الفرض السابق إذا العلم فيه منجز على بعض الفروض وهو صورة ترك كلا الطرفين، فحكم العقل فيه بالتخيير، انما هو لاحراز الواقع احتمالا، حيث لا يتمكن عن إحرازه بنحو القطع، فالعلم الاجمالي أيضا كالعلم التفصيلي منجز للواقع بحكم العقل ما لم يمنع عنه مانع، فلذا يحكم العقل بوجوب متابعته بإيجاد كلا الطرفين، أو بإيجاد أحدهما على حسب اختلاف الموارد، وهذا هو المسمى عندهم بقاعدة الاشتغال، فهي حكم عقلي لاحراز الواقع.
وقد تلخص من جميع ما ذكرناه، ان القطع تفصيليا كان أو إجماليا و كذلك ساير الأحكام الشرعية الظاهرية المجعولة لاحراز الواقعيات، تشترك في تنجيز الواقع على فرض المصادفة وليست موافقتها ولا مخالفتها موجبتين للثواب والعقاب على أنفسهما بل الثواب والعقاب يدوران مدار الواقع.
إذا عرفت ذلك فقد تبين لك ضعف تقسيم الكفاية في عنوان البحث، حيث جعل التقسيم ثنائيا وقال: (ان حصل القطع بالحكم الواقعي أو الظاهري عمل به والا رجع إلى الأصول العقلية من البراءة والتخيير و الاشتغال).
وجه الضعف، ان الحكم الظاهري ليس في عرض الحكم الواقعي و ليس له بنفسه تنجز حتى يكون القطع منجزا له بل التنجز وعدمه يدوران مدار الواقع والحكم الظاهري أيضا في عرض القطع بالحكم الواقعي في كونه منجزا للواقع.
ثم إن قاعدة الاشتغال أيضا من المنجزات العقلية للواقع فان موردها العلم الاجمالي كما