ذلك إرسال المسلمات ليس من جهة كون النهي موضوعا للفساد شرعا بعد عدم كونه كذلك لغة، للقطع بعدم وضع من الشارع في هذا المقام، وأنه ليس وظيفته إلا بيان الاحكام بلسان قومه، بل ما يحتمل أن يكون وجها لذلك أمور:
1 - ما سبق منا من أنه إذا أمر من له مزيد اختصاص في العلم بشئ بهذا الشئ، ثم أمر ببعض الخصوصيات المتعلقة به أو نهي عنه، يتبادر من هذا السنخ من الأوامر والنواهي الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، وليس للنهي حينئذ ظهور في المولوية حتى نحتاج في إثبات الفساد إلى توسيط الحرمة وادعاء الملازمة بينها و بين الفساد، وقد فصلنا ذلك فراجع.
2 - ما ذكره الشيخ (قده) وحاصله أن الظاهر من النهي المتعلق بعبادة خاصة أو معاملة خاصة كونه ناظرا إلى العمومات المشرعة لها تأسيسا أو إمضاء، فيكون بمنزلة المقيد أو المخصص لها، فإذا قال الله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم)، أو ورد في الخبر النهي عن بيع الغرر، أو نحو ذلك علم منه إرادة التخصيص للعمومات الدالة على صحة النكاح والبيع ونحوهما من المعاملات، وهكذا الامر في العبادات، هذا ولكن يجب أن يعلم أن ما ذكره (قده) ليس وجها في قبال سائر الوجوه، فإن النهي إن كان تحريميا مولويا فلا وجه لاستفادة الفساد منه في المعاملات، كما عرفت، وإن كان إرشاديا رجع إلى ما ذكرناه في الوجه الأول.
3 - أن يقال في خصوص المعاملات: إن حصول المسببات عقيب الأسباب إنما هو بجعل الشارع إياها عقيبها واعتباره لها، أو بجعل السببية للأسباب، بداهة أن السببية فيها ليست تكوينية فهي قابلة للجعل التشريعي، وحينئذ فمن المستبعد اعتبار الشارع وإمضاؤه لما هو مبغوض له، فبالنهي الدال على الحرمة والمبغوضية يستكشف عدم اعتبار الشارع للمسبب الذي يكون تحققه بيده.
4 - ما ذكره بعض المعاصرين من أن النهي يدل على المحجورية الشرعية، ومن شرائط الصحة في المعاملات عدم الحجر.
5 - أن يقال: إن الظاهر من النواهي المتعلقة بالمعاملات هو المنع عن ترتيب آثارها عليها، فترجع جميع النواهي المتعلقة بالمعاملات إلى القسم الثالث، الذي نقلناه عن الشيخ، وهو صورة تعلق النهي بالآثار التي لا تنفك من المعاملة، بحيث لو صحت المعاملة لم تعقل حرمة هذه الآثار. وقد