توافق الشيخ وشيخنا الأستاذ المحقق الخراساني على كون النهي في هذه الصورة دالا على الفساد، ووجهه واضح، ووجه إرجاع جميع النواهي الواردة في المعاملات إلى هذه الصورة هو أن يقال: إن للمعاملات ثلاث مراتب:
الأولى: مرتبة الأسباب أعني نفس الايجاب والقبول. الثانية: مرتبة المسببات التي توجد بها في عالم الاعتبار من الملكية والزوجية و نحوهما. الثالثة: مرتبة الآثار الشرعية والعقلائية المترتبة على المسببات من جواز التصرف في الثمن مثلا للبائع وفي المثمن للمشتري، وجواز الوطء ونحوه في النكاح، ونحو ذلك، ولا يخفى أن نفس الأسباب لا نفسية لها عند العرف والعقلاء، وليست مقصودة بالذات بل هي آلات لايجاد مسبباتها ومندكات فيها بنظرهم، وكذلك المسببات بأنفسها أمور اعتبارية محضة وليست مقصودة بالأصالة، فإن نفس الملكية مجردة من جميع آثارها لا تغني عن جوع أحد، فهي أيضا فانية في الآثار، فالمطلوب بالذات وما هو المقصود عند العقلا في المعاملات إنما هو ترتيب الآثار من التصرف في الثمن و المثمن، وقضاء الحوائج بهما ونحو ذلك. فإذا كان نظر العرف و العقلا إلى الأسباب والمسببات نظرا آليا، وكانتا عندهم في الحسن و القبح تابعتين للآثار المطلوبة، فلا محالة لا يتبادر إلى أذهانهم من النواهي المتعلقة بهما إلا النهي عن ترتيب الآثار، إذ لا نفسية لهما عندهم ولا يتصفان في أنفسهما بحسن ولا قبح، ونظير ذلك ما ذكرناه في مبحث المقدمة من أن الامر بالمقدمة عين الامر بذيها.
وبالجملة: الأمر والنهي في الأمور الالية يتعلقان حقيقة بما هي فانية فيه، فلا يتبادر إلى الأذهان من النهي عن نكاح الام مثلا إلا حرمة ترتيب آثار الزوجية، فإنها المقصودة بالذات من النكاح، لا نفس الايجاب والقبول ولا الزوجية المجردة منها، وعلى هذا فيدل النهي على الفساد، فتدبر.