هذا كله في دلالة المركبات على معانيها المطابقية والتضمنية.
وأما دلالتها على معانيها الالتزامية فهي أيضا على قسمين، إذ المدلول الالتزامي إما أن يكون بحيث يقصد المتكلم دلالة اللفظ عليه، وإما أن يكون مما يستفاد منه تبعا بلا قصد لافهامه، والقسم الثاني خارج من المنطوقية والمفهومية معا، وأما القسم الأول فإن كان مفاده مفاد (لا غير) كما في جميع مفاهيم المخالفة، أو كان الحكم فيه ثابتا للغير على وجه الترقي، كما في مفهوم الموافقة فهو المفهوم بقسميه، وإلا فهو أيضا من المنطوق، فاستقر اصطلاحهم على تسمية هذين النوعين من المداليل الالتزامية المركبة بالمفهوم.
وقد فصل (قده) الكلام في هذا المقام، ونقل في ضمن كلامه تعريف الحاجبي للمنطوق بأنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وللمفهوم بأنه ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، وتفسير العضدي لتعريف المنطوق بقوله: (أي يكون حكما لمذكور وحالا من أحواله سواء ذكر الحكم ونطق به أم لا) ولتعريف المفهوم بقوله: (أي يكون حكما لغير المذكور) (انتهى).
أقول: لم يأت هو (قده) مع تفصيله بما يكون معتمدا عليه في امتياز المنطوق من المفهوم، فإن الظاهر من القدماء كون المداليل في حد ذاتها على قسمين، وليس تقسيم المدلول إليهما بحسب جعل الاصطلاح فقط بأن يصطلحوا بلا جهة على تسمية بعض المداليل الالتزامية بالمفهوم وإدخال غيره في المنطوق، ولذلك تريهم يختلفون في أن دلالة الغاية أو الاستثناء على الانتفاء عند الانتفاء مفهومية أو منطوقية، فيعلم من ذلك كونهما ممتازين بحسب الواقع.
والمتأخرون عن الشيخ أيضا لم يذكروا في الباب ميزانا صحيحا يعتمد عليه، فالواجب علينا تفصيل الكلام بنحو يتضح الامتياز بين نحوي الدلالة (المنقسم باعتبارهما المدلول إلى المنطوق والمفهوم).
المداليل اللفظية وغير اللفظية: ما يفهم من كلام المتكلم قد يكون بحيث يمكن أن يقال:
(إنه نطق به) بنحو لو قيل للمتكلم: (أنت قلت هذا) لم يكن له إنكاره، و قد يكون بحيث لا يمكن ذلك، بل يكون للمتكلم مفر منه، وإن أنكر قوله إياه لم يمكن إلزامه، مثلا إذا قال المتكلم:
(إن جاءك زيد فأكرمه) فمداليله المطابقية والتضمنية والالتزامية كلها مما لا يمكن للمتكلم أن ينكر نطقه بها، وأما عدم ثبوت الوجوب عند عدم المجئ فيفهم من اللفظ، ولكن لو قيل للمتكلم: (أنت قلت هذا) أمكنه إنكار ذلك بأن يقول: ما قلت ذلك وإنما الذي قلته و نطقت به هو وجوب الاكرام عند المجئ، وليس الانتفاء عند الانتفاء من لوازم الثبوت عند الثبوت حتى يقال: