ملاك الوجوب حتى تجب مقدمته.
وثانيا ما ذكرناه آنفا من أن التخلص عبارة عن ترك التصرف وليس فيه ملاك الوجوب، إذ الموجود في باب الغصب والتصرف في مال الغير حكم واحد، وهو الحرمة لا غير فراجع.
وربما يقال: إن وجوب الخروج ليس من جهة المقدمية، بل هو من باب وجوب رد مال الغير إليه، وهو وجوب نفسي.
وفيه أولا ما ذكرناه سابقا: من أن وجوب الرد أيضا ليس حكما شرعيا مستقلا في قبال حرمة التصرف، بل هو حكم عقلي يحكم به العقل للتخلص من التصرف البقائي، فإن التصرف في مال الغير كما يحرم حدوثا يحرم بقاء.
وثانيا: أن وجوب الرد على فرض ثبوته شرعا إنما يثبت في باب الغصب (أعني به الاستيلاء على مال الغير عدوانا)، وما نحن فيه لا يرتبط بباب الغصب، إذ التوسط في أرض الغير ليس دائما ملازما للغصب، بل هو من أفراد التصرف في مال الغير، وبين الغصب و التصرف في مال الغير عموم من وجه، إذ قد يكون صاحب المال مقتدرا بحيث لا يمكن الاستيلاء على ماله وأخذ زمام ماله فلا يتحقق الغصب، ولكن يمكن مع ذلك التصرف في ماله خفاء أو التصرف فيه من الخارج بإلقاء الأحجار فيه مثلا، وقد يتحقق الغصب بدون التصرف، كما إذا استولى الانسان على مال غيره، بحيث صار زمام اختياره بيده، ومع ذلك لم يتصرف فيه بالدخول ونحوه.
وقد يجتمعان كما إذا استولى على مال غيره ودخل فيه أيضا، فتدبر . [1] [1] أقول: يظهر من مجموع كلام سيدنا الأستاذ (مد ظله العالي) أنه في أصل الكبرى موافق للشيخ (قده)، ومخالفته معه في الصغرى فقط. بيان ذلك: أن المسألة المبحوث عنها هي حكم المحرم المضطر إليه بسوء الاختيار إذا كان مقدمة لواجب أهم، فاختار الشيخ كونه مأمورا به فقط، واختار المحقق الخراساني عدم كونه مأمورا به، ولا منهيا عنه مع جريان حكم المعصية عليه، ويظهر من كلام سيدنا الأستاذ (مد ظله) أنه يوافق الشيخ في ذلك، وإنما يخالفه في مثال الخروج من جهة عدم كونه من صغريات المسألة، كما يظهر ذلك من قوله (مد ظله) في جواب كلام الشيخ: (إن قياس الخروج على شرب الخمر قياس مع الفارق، فإن شرب الخمر مقدمة لواجب أهم (أعني حفظ النفس)، والخروج ليس مقدمة لواجب من جهة أن الموجود في باب التصرف في ملك الغير حكم واحد وهو الحرمة).
ثم اعلم أنه على فرض مقدمية الخروج للواجب ربما يقرب إلى الذهن قول صاحب الفصول، فإن المكلف قبل دخوله في أرض الغير كان متمكنا من ترك التصرف بأنحائه، كما كان متمكنا في أول الأمر من فعله