أشد كالخروج من الدار المغصوبة بعد توسطها على وجه محرم، و كشرب الخمر الذي انحصر فيه طريق التخلص من الهلكة بعد ما ارتكب بسوء الاختيار ما يؤدي إليها، ونحو ذلك.
ولكن المحقق صاحب الكفاية لما ذكر في صدر المبحث مطالب من باب المقدمة ناسب أن نذكرها على وجه الاختصار.
قال (قده) ما حاصله: إن الاضطرار إلى الحرام وإن كان موجبا لرفع حرمته وعقوبته وبقاء ملاك وجوبه مؤثرا له (لو كان فيه ملاك الوجوب) ولكنه إذا كان الاضطرار لا بسوء الاختيار، وأما إذا كان بسوء الاختيار فالحرمة الفعلية وإن كانت مرفوعة أيضا ولكنه حيث يصدر عن المكلف مبغوضا وعصيانا للنهي السابق الساقط لا يصلح لان يتعلق به الايجاب وإن كان فيه ملاكه (انتهى).
أقول: أما ما ذكره من أن الاضطرار إلى الحرام يوجب ارتفاع حرمته فمسلم غاية الأمر أن الحاكم بارتفاعها في الاضطرار العقلي هو العقل، وفي الاضطرار العرفي مثل حديث الرفع ونحوه.
وأما ما ذكره من تأثير ملاك الوجوب بعد ارتفاع الحرمة الفعلية بالاضطرار فغير مسلم إذ المانع عن تحقق الوجوب ليس هو الحرمة الفعلية، حتى يصير ارتفاعها سببا لتحققه، بل المانع عن تحققه وتأثير ملاكه فيه هو أقوائية ملاك الحرمة (أعني المفسدة الداعية إلى جعلها) من ملاك الوجوب (أعني المصلحة الباعثة نحو الايجاب)، فما دامت المفسدة باقية على قوتها لا مجال لتأثير ملاك الوجوب وإن كان هنا مانع عن فعلية الحرمة أيضا فان البعث نحو ما يشتمل على مفسدة - تكون أقوى من مصلحته - قبيح بلا ريب وإشكال.
نعم يمكن أن يوجد في الفعل المحرم - بعد الاضطرار إليه - مصلحة أقوى من مفسدته فلا مانع حينئذ من تعلق الوجوب به، لكنها غير المصلحة الأولية المغلوبة بالنسبة إلى المفسدة، فإنها لا يمكن أن تؤثر في الايجاب وإن لم تؤثر المفسدة أيضا من جهة المانع كالاضطرار ونحوه، ألا ترى أن شرب الخمر المحرم من جهة أقوائية ملاك الحرمة فيه لا يصير واجبا أو مستحبا بمجرد رفع حرمته الفعلية لمانع مع أنه يشتمل على المصلحة أيضا، كما يدل عليه قوله (تعالى):
(قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما.
نعم إن توقف عليه حفظ النفس المحترمة صار واجبا من جهة أقوائية ملاك حفظ النفس من