ملاكا موجبا لحكم على حدة، غاية الأمر أن أهمية ملاك الإزالة أوجبت أهمية حكمها، فصارت فعلية حكم الصلاة مشروطة بعصيان حكم الإزالة.
وفيما نحن فيه ليس كذلك، إذ الموجود في باب الغصب والتصرف في مال الغير حكم واحد بملاك واحد وهو الحرمة، وأما وجوب الخروج والتخلص من الغصب فليس حكما آخر في قبال حرمة الغصب، بل هو عبارة أخرى عنها، إذ التخلص ليس إلا عبارة عن ترك الغصب الذي هو ضد عام للغصب، وقد عرفت - في مبحث الضد - أن في الضد العام لا يكون كل من الضدين متصفا بحكم مستقل في قبال حكم الاخر، بل الامر بأحدهما عبارة أخرى عن النهي عن الاخر، كما أن النهي عن أحدهما عبارة أخرى عن الامر بالاخر، بحيث يكون المتحقق بحسب الواقع حكما واحدا ناشئا من ملاك واحد، و على هذا ففي باب الغصب أيضا لم يصدر عن الشارع إلا حكم واحد و هو الحرمة، وليس وجوب التخلص منه حكما مستقلا في قبالها، حتى يصير فعليا في رتبة عصيان الحرمة، بل هو عبارة أخرى عنها و دائر مدارها.
ومما يشهد لذلك أن المكلف إن عصى ولم يخرج من الدار المغصوبة لا يقال: إنه صدر عنه عصيانان: أحدهما ارتكاب مقدار التصرف الخروجي والاخر ترك التخلص، بل الصادر عنه إنما هو ارتكاب الحرام فقط.
وهذا بخلاف مسألة الصلاة والإزالة فإن التارك لهما (على القول بالترتب) قد صدر عنه عصيانان لتفويته ملاكين مستقلين، كان كل منهما منشأ لحكم مستقل.
وبالجملة: الموجود في مثل الصلاة والإزالة حكمان شرعيان مستقلان، وهذا بخلاف باب الغصب، فإن الموجود فيه حكم واحد و هو الحرمة، وأما وجوب التخلص منه فليس حكما آخر في قباله.
نعم، يحكم العقل بلزوم اختيار التصرف الخروجي، لكونه بالنسبة إلى التصرف البقائي أقل محذورا.
ومما ذكرنا يعرف أيضا بطلان ما ذكره بعض الفقهاء في باب الغصب من أن الموجود فيه حكمان: أحدهما حرمته والاخر وجوب الرد، فإن وجوب الرد ليس حكما مستقلا ذا ملاك مستقل في قبال حرمة الغصب، نعم كما يحرم الغصب حدوثا يحرم بقاء، ووجوب الرد عبارة أخرى عن الحرمة البقائية.
وإن شئت قلت: هو حكم عقلي حكم به العقل للتخلص من الحرمة البقائية.