متعددة بعدد ما يتصور لمتعلقه من الافراد، وذلك من جهة أن الامر إنما هو لتحصيل المصلحة الموجودة في متعلقه فبأصل حصول المتعلق ولو في ضمن فرد ما يحصل الغرض والنهي إنما يكون للزجر عن متعلقه من جهة اشتماله على المفسدة، والانزجار عن الطبيعة المشتملة على المفسدة لا يتحقق إلا بالانزجار من جميع أفرادها، و على هذا فإذا تعلق الامر بحيثية مشتملة على المصلحة وتعلق النهي بحيثية مشتملة على المفسدة، وكانت الحيثيتان متصادقتين في بعض الافراد فعلى القول بالجواز لا تقيد في واحدة من الحيثيتين، بل هما باقيتان على إطلاقهما بلا محذور في البين. غاية الأمر أنه يجب على العبد في مقام الامتثال تفكيك الحيثيتين، وأنه إن أتى بالمجمع مع كونه عباديا يقع باطلا كما عرفت، وعلى القول بالامتناع لا بد من تقييد إحدى الحيثيتين في مقام الجعل بنحو تصيران متباينتين، و لكن التقييد يجب أن يكون في جانب الامر مطلقا، إذ المصلحة الباعثة على الامر وإن كانت أقوى من المفسدة الباعثة على النهي، ولكنها تحصل بإتيان فرد ما، بخلاف المفسدة فإن التحرز منها إنما يتحقق بالتحرز من جميع الافراد المشتملة عليها، فيمكن الجمع بين الغرضين بالنهي عن جميع الافراد المشتملة على المفسدة، والامر بالطبيعة المشتملة على المصلحة مقيدة بعدم اجتماعها مع الطبيعة المنهي عنها.
وبالجملة: بعد إمكان الجمع بين إحراز المصلحة القوية والفرار من المفسدة الملزمة (وإن كانت أضعف منها) يجب ذلك بتخصيص الامر بالافراد التي لا تزاحم فيها، فلا وجه أصلا لترجيح جانب الامر في مجمع العنوانين، بل يتعين دائما ترجيح جانب النهي، وإن كانت المفسدة الموجودة فيه أضعف بالنسبة إلى مصلحته.
التنبيه الرابع: تزاحم الحيثيات في مقام الامتثال.
قد تبين لك من جميع ما ذكرناه أنه لا تزاحم بين الأمر والنهي - المتعلقين بحيثيتين بينهما عموم من وجه - في ناحية المولى، أعني ناحية تصور الحيثيتين، ففي هذه الناحية يتصور المولى إحداهما فيرى اشتمالها على المصلحة وقدرة العبد على إيجادها فيأمر بها ويتصور الأخرى فيرى اشتمالها على المفسدة فيزجر عنها من دون أن يلاحظ سائر الحيثيات المتحدة مع المتعلق لعدم دخالتها في الغرض الباعث على الامر أو النهي، فالتزاحم ليس في ناحية المولى وفي مقام الجعل وإنما التزاحم في مقام الامتثال ومقام انشعاب كل من الحيثيتين بالشعب المختلفة. هذا كله إذا كان بين الحيثيتين عموم من وجه، وكذلك الحال إذا كان بينهما عموم مطلق وكان النهي متعلقا بالأخص، والكلام فيه عين الكلام في سابقه.