وإن كانت الحيثيتان متصادقتين، إذ الخصوصيات الفردية ليست ملحوظة حين الأمر والنهي، لعدم دخالتها في الغرض الباعث إليهما، ومعه يكون لحاظها جزافا كما مر، وهذا بخلاف مقام الامتثال الذي هو مقام إسقاط الأمر والنهي، فإن ما يريده العبد ويتوجه إليه حين الامتثال هو الوجود الخاص الذي هو أمر وحداني، فإن كان هذا الوجود مبغوضا للمولى ومتمردا به لما أمكن قصد التقرب به إلى ساحة المولى.
وبعبارة أخرى: مقام الإرادة التشريعية غير مقام الإرادة التكوينية الحاصلة للعبد، إذ المتعلق لها في الأولى عبارة عن نفس الحيثية الواجدة للمصلحة، بخلاف الثانية فإن المتعلق لها ليس إلا الوجود الخاص الذي هو أمر وحداني جزئي، وبعد وقوعه مبغوضا من جهة كونه مصداقا للحيثية المنهي عنها لا يصلح لان يتقرب به، ويشترط في العبادة مضافا إلى قصد القربة أن يكون المأتي به صالحا لان يتقرب به، وكونه مبعدا يرفع هذه الصلاحية.
ولاجل ذلك حكم الأصحاب ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة، ولا يكشف حكمهم بالبطلان عن كونهم قائلين بالامتناع لما عرفت من أن القول بالجواز في مقام توجيه الأمر والنهي - كما هو الحق - لا يستلزم القول بالصحة في مقام الامتثال إذا كان المأمور به أمرا عباديا، بل المختار هنا البطلان، وإن كان المختار في المسألة الأصولية هو الجواز.
وليس في كلمات القدماء من أصحابنا اختيار الامتناع في المسألة الأصولية، بل الموجود في كتبهم ليس إلا الفتوى ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة من جهة وقوعها مبغوضة، فراجع كلام الشيخ في العدة، وكذا السيد وأمثالهما.
ومما ذكرنا ظهر أن نسبة الامتناع إلى المشهور من جهة إفتائهم ببطلان الصلاة في المسألة الفقهية في غير محلها.
التنبيه الثالث: نقد القول بصحة الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالجواز.
قد اتضح بما ذكر فساد ما ذكره شيخنا الأستاذ المحقق الخراساني (طاب ثراه) في المقدمة العاشرة: من صحة الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالجواز.
قال (قده) ما حاصله: إنه لا ريب في حصول الامتثال بإتيان المجمع بداعي الامر على القول بالجواز ولو في العبادات، وكذلك على القول بالامتناع وتقديم جانب الامر، وإما عليه وتقديم جانب النهي، ففي التوصليات يسقط الامر من جهة حصول الغرض بإتيان المجمع أيضا، وأما في التعبديات فلا يسقط الامر بإتيانه مع الالتفات إلى الحرمة أو الجهل بها عن تقصير، وأما مع