فإن قلت: كيف لا يسري البعث مثلا إلى الحيثيات المفردة، مع أن مقتضى إطلاق المتعلق سرايته إليها، إذ ليس معنى إطلاقه إلا كون جميع أفراده موردا للحكم، والفرد ليس إلا عبارة عن مجموع الحيثيات المتحدة في الوجود.
قلت: لا نسلم أن معنى الاطلاق ما ذكرت، بل معنى إطلاق المتعلق هو كون نفس حيثية الطبيعة تمام المتعلق، من دون أن يكون لتقيدها بشئ من القيود دخالة في المطلوبية، وليس معناه دخالة العناوين المتحدة مع الحيثية المأمور بها في المطلوبية، بحيث تصير هي أيضا متعلقة للحكم، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث المطلق والمقيد.
وقد تحصل من جميع ما ذكرنا أنه يمكن ان يصدر عن المولى الواحد بالنسبة إلى عبد واحد بعث وزجر متعلقين بحيثيتين متصادقتين، يمكن تفكيكهما في مقام الامتثال، من دون أن يتوقف ذلك على لحاظهما بنحو تصيران متباينتين، ولا يلزم من ذلك اجتماع الضدين بالنسبة إلى المجمع، لما عرفت من أن البعث والزجر ليسا من عوارض المكلف به، بل المكلف (بالكسر).
ونظير هذا المعنى تعلق العلم والجهل معا بالحيثيتين المتصادقتين، فإنه أيضا ممكن، ولا يلزم منه محذور اجتماع الضدين، مثال ذلك ما إذا تعلق العلم بمجئ عالم غدا والجهل بمجئ عادل فاتفق مجئ عالم عادل، فوجود هذا المجئ، من حيث إنه مجئ العالم معلوم، و من حيث إنه مجئ العادل مجهول، ومن المعلوم أن المعلومية و المجهولية ليستا إلا كالمحبوبية والمبغوضية والوجوب والحرمة، فلو كان اجتماع عنواني الواجب والحرام في مجمع الحيثيتين موجبا لاجتماع الضدين كان اجتماع عنواني المعلومية والمجهولية في مجئ العالم العادل أيضا كذلك، فتدبر. [1] [1] والحاصل) أن وزان ما هو المتعلق بحسب الحقيقة للإرادة والبعث أو الكراهة والزجر وزان المعلوم بالذات، ووزان مصداق المتعلق ووجوده الخارجي وزان المعلوم بالعرض، وفي الأول لا يتوجه إشكال أصلا، إذ المتعلق بالذات هو نفس الحيثية الملحوظة، و الفرض أن الحيثية المتعلقة للبعث غير الحيثية المتعلقة للزجر، وفي الثاني أيضا لا إشكال، فإن إضافة البعث والزجر أو العلم والجهل إلى الخارج ليست بنحو العروض بل هي نحو إضافة تعتبر بتبع تعلق هذه الأمور بالمتعلق بالذات.
فإن قلت: فرق بين باب العلم والجهل وبين ما نحن فيه، فإن البعث و الزجر إنما يصدران عن المولى، بداعي انبعاث العبد وانزجاره، فإذا اطلع المولى على كون الحيثيتين متصادقتين فكيف يعقل أن تنقدح في نفسه الإرادة والكراهة بالنسبة إليهما بإطلاقهما، فعلى هذا يجب عليه تقييد متعلق الأمر ليجمع بين الغرضين. قلت: بعد كون المشتمل على المصلحة عبارة عن نفس الحيثية الصلاتية مثلا يصير تقييدها جزافا إذ الفرض عدم دخالة القيد في المصلحة. وبالجملة ليس للبعث أو الزجر التخطي عن دائرة ما اشتمل على المصلحة أو المفسدة، نعم، إن