فإن قلت: إذا أتى العبد بفرد من الطبيعة المنهي عنها وبسببه تحقق العصيان فكيف يتصور له عصيان آخر، مع أن العصيان مثل الامتثال موجب للسقوط؟ قلت: لا نسلم كون العصيان من المسقطات للتكاليف، وإن اشتهر ذلك بينهم. وما تراه من سقوط الموقتات بمضي أوقاتها إذا تركها العبيد في أوقاتها فإنما هو من جهة أن العبد لا يقدر على إتيانها بعد مضي الوقت، فيسقط التكليف بخروج متعلقه من تحت القدرة، إذ الصلاة المقيدة بالوقت الكذائي مثلا لا يمكن إيجادها بعد مضي هذا الوقت.
وبالجملة: سقوط الوجوب - في الواجب الموقت - بمضي وقته إنما هو من جهة خروجه من تحت القدرة، لا من جهة عصيانه، إذ العصيان بما هو عصيان ليس فيه ملاك الاسقاط، ففيما نحن فيه لا مانع من تحقق العصيان للنهي بإيجاد فرد من الطبيعة المنهي عنها، ومع ذلك يقع الفرد الثاني والثالث وغيرهما أيضا مصاديق للعصيان لو أتي بها، ويقع ترك كل واحد منها امتثالا على حدة لو تركت بداعي نهي المولى، فتدبر.
وقد تلخص من جميع ما ذكرنا أن القول بكون النهي من مقولة الطلب، وكونه مشتركا مع الامر في المفاد ومختلفا معه بحسب المتعلق فاسد جدا، بل الامر بالعكس. نعم، لا ننكر أن العقل ينتزع عن الزجر المتعلق بالوجود بعثا متعلقا بالعدم، كما أنه ينتزع عن البعث المتعلق بالوجود في باب الأوامر زجرا متعلقا بعدمه، ولكن لا بنحو يرى الصادر عن المولى شيئين، بل الصادر عنه في كل تكليف، شي واحد وهو البعث في الأوامر والزجر في النواهي، غاية الأمر أنه يعتبر نفس الزجر عن الوجود بنظر آخر بعثا نحو عدمه من جهة أن الوجود والعدم متناقضان، والتحريك نحو أحد النقيضين عين الزجر عن الاخر بنظر العقل، كما أن الزجر عن أحدهما بعث نحو الاخر.
تذنيبات:
الأول:
قد عرفت أن حقيقة الامر هي البعث نحو متعلقه باعتبار اشتماله على المصلحة.
وحقيقة النهي الزجر عن المتعلق باعتبار اشتماله على المفسدة، فحينئذ نقول: إنه من الممكن أن يصير عدم خاص باعتبار مقارناته معنونا بعنوان حسن ذي مصلحة، فيكون المقام مقام الامر بهذا العدم والبعث نحوه، وذلك كالصوم الذي حقيقته الامساك، وهو أمر عدمي، فتدبر حتى لا يختلط عليك الامر، وتميز هذا السنخ من الواجبات من المنهيات.