بدلا من ذلك: (افعل كذا) فمفاده عبارة عن البعث والتحريك، ويكون اعتباره اعتبار التحريك العملي.
و (مبادئ البعث) عبارة عن تصور المبعوث إليه والتصديق بمصالحه وفوائده، ثم اشتياق النفس إليه، فإذا تحقق الشوق في نفس المولى وتأكد، بعث العبد نحوه ليوجده. و (متعلقه الامر) عبارة عن إيجاد الطبيعة أو نفسها على التقريب الذي تقدم في المسألة السابقة، فإن أتى العبد بها كان ممتثلا وإن تركها كان عاصيا، فالامر يتعلق بما يكون تحققه ونفس أمريته محققا لامتثاله وهو وجود الطبيعة، و حيث إن متعلقه نفس وجود الطبيعة فبوجودها يسقط الامر من جهة حصول الغرض، فلا يقع الفرد الثاني والثالث وغيرهما مصاديق للامتثال. نعم، إن أوجد المكلف في عرض واحد أزيد من فرد واحد وقع كل منهما امتثالا برأسه، إذ يصدق على كل واحد منهما أنه وجود للطبيعة المأمور بها. وقد مر بيان ذلك في مسألة المرة والتكرار.
هذا كله مما يتعلق بالامر.
وأما النهي فحقيقته عبارة عن الزجر الانشائي عن الوجود بإزاء الزجر الخارجي، فكما أن المبغض للشئ قد يأخذ بيد العبد وينحيه و يزجره عن الفعل المبغوض عملا، فكذلك قد يزجره إنشاء بصيغة النهي، فوزان صيغة النهي وزان الزجر العملي، و (مبادئ الزجر) عبارة عن تصور الشئ والتصديق بمفاسده، ثم الكراهية و المبغوضية. و (متعلقه) مثل متعلق الأمر، أعني وجود الطبيعة المبغوضة.
والحاصل: أن الأمر والنهي يشتركان بحسب المتعلق بمعنى أن المتعلق في كليهما عبارة عن وجود الطبيعة، ولكنهما مختلفان بحسب الحقيقة والمبادي والآثار، فحقيقة الامر هي البعث والتحريك نحو المتعلق ويعبر عنه بالفارسية (وا داشتن)، وحقيقة النهي عبارة عن الزجر والمنع عن المتعلق، ويعبر عنه بالفارسية (باز داشتن)، وما هو المتعلق للامر، أعني وجود الطبيعة نفس أمريته امتثال له، وما هو المتعلق للنهي نفس أمريته عصيان له، ومقتضى البعث نحو وجود الطبيعة تحقق الامتثال بإيجاد فرد ما، فيسقط الامر بذلك كما مر، ومقتضى الزجر عن وجودها كون الاتيان بكل فرد عصيانا على حدة، إذ كل فرد من الافراد وجود للطبيعة، وقد زجر عنه المولى من جهة كون الوجود مشتملا على مفسدة نشأ من قبلها المبغوضية، فالمتعلق بوجود الطبيعة وإن كان نهيا واحدا، ولكنه ينحل إلى نواه متعددة بعدد ما يتصور للطبيعة من الافراد، وبعددها يتصور له الامتثال والعصيان، فكل فرد أوجده العبد صار عصيانا برأسه، وكل فرد انزجر عنه وتركه بداعي نهي المولى تحقق بالانزجار عنه امتثال لنهيه.