من عصيان واحد وإطاعة واحدة، إذ ترك الطبيعة أمر وحداني غير قابل للتكثر، ويكون خارجيته ونفس أمريته بانعدام جميع الافراد ومخالفته بوجود فرد ما.
فإن قلت: كما أن للطبيعة وجودات متعددة بعدد وجودات أفرادها - لما حقق في محله من أن الطبيعي يوجد في الخارج بنعت الكثرة - فليكن لها أعدام أيضا، إذ لكل وجود عدم بديل، فعدم كل واحد من الافراد عدم للطبيعي الموجود فيه أيضا، وحينئذ فيصير الطلب المتعلق بعدم الطبيعة الذي هو مفاد النهي منحلا إلى أفراد عديدة من الطلب تعلق كل واحد منها بفرد من الاعدام، ويكون لكل منها امتثال على حدة وعصيان مستقل. [1] قلت: فرق بين الوجود والعدم من هذه الجهة، فإن الوجود حقيقته التحصل، وهو عين التشخص والتميز، وهذا بخلاف العدم الذي لا يتصور فيه ميز من حيث العدم، والعدم المضاف إلى هذا الفرد من الطبيعة وإن كان ممتازا من العدم المضاف إلى ذاك الفرد، لكنه خارج مما نحن فيه، فإن المتعلق للطلب على مذاقه (قده) ليس عبارة عن العدم المضاف إلى كل فرد فرد، حتى يتكثر بتكثر المضاف إليه، بل هو عبارة عن العدم المضاف إلى أصل الطبيعة وهو أمر واحد، فافهم.
وبالجملة: القول بكون النهي من مقولة الطلب مستلزم لتوال فاسدة عند جميع العقلا.
فالتحقيق أن يقال: إن النهي بحقيقته ومباديه وآثاره يختلف مع الامر، وما زعمه المحقق الخراساني تبعا للمشهور: من اشتراكهما في كونهما للطلب فاسد جدا. بيان ذلك:
أن مفاد الامر، كما مر سابقا عبارة عن البعث الانشائي والتحريك القولي نحو العمل المطلوب بإزاء البعث الخارجي والتحريك العملي نحوه، فكما أن الطالب للشئ قد يأخذ بيد المطلوب منه ويجره نحو المقصود أو يحركه ويبعثه بوسيلة الجارحة نحوه، فكذلك قد يقول له [1] أقول: ربما يقرر الاشكال بأن الطبيعة إن أخذت مبهمة فكما أن وجودها بوجود فرد ما فعدمها أيضا بعدم فرد ما، وإن أخذت مرسلة فوجودها بوجود الجميع وانتفاؤها أيضا بانتفاء الجميع. و لاحد أن يجيب عن ذلك بأن الطبيعي حيث إنه لا بشرط من الوحدة و الكثرة، فلذا يوجد في الخارج بنعت الكثرة ونسبته إلى الافراد نسبة الاباء إلى الأولاد، كما بين في محله، وهو بعينه يوجد في الذهن بنعت الوحدة فهو في حد ذاته لا واحد ولا كثير وإنما يكون تعدده و كثرته بخارجيته، أي بتبع الوجود الخارجي، والعدم لا خارجية له حتى يتكثر وتتكثر بتبعه الطبيعة. نعم قد يتكثر العدم ذهنا بتكثر المضاف إليه وتعدده، ولكن المضاف إليه فيما نحن فيه واحد، وهو نفس الطبيعة، إذ الكلام في عدم نفس الطبيعة، لا الافراد، فلا مكثر للطبيعة لا خارجا ولا ذهنا.
ح - ع - م.