أن الفرق بين الموضوعات الخارجية والأحكام الشرعية هو أن تشخيص مقدار استعداد بقاء الموضوع في الزمان إنما يكون بالامتحان والتجربة ونحو ذلك من الأسباب المشخصة لاستعداد بقاء الموجودات في عمود الزمان، وأما الأحكام الشرعية فطريق تشخيص مقدار استعداد بقاء الحكم في الزمان إنما يكون من قبل الشارع.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إن المستصحب إما أن يكون موضوعا خارجيا وإما أن يكون حكما شرعيا. فان كان موضوعا خارجيا فتارة: يعلم مقدار استعداد بقائه في الزمان ويشك في حدوث زماني أوجب رفع الموضوع وإعدامه عن صفحة الوجود في أثناء عمره واستعداد بقائه، وأخرى: لا يعلم مقدار عمره واستعداد بقائه، كما لو شك في أن البق يعيش ثلاثة أيام أو أربعة. فالأول يكون من الشك في الرافع، والثاني يكون من الشك في المقتضي.
فضابط الشك في المقتضي: هو أن يكون الشك في بقاء الموجود لأجل الشك في مقدار قابليته للوجود واستعداده للبقاء في عمود الزمان.
وضابط الشك في الرافع: هو أن يكون الشك في بقاء الموجود لأجل الشك في حدوث زماني أوجب إعدام الموجود في أثناء استعداده للبقاء، كما إذا احتمل طرو مرض أو قتل أو تخريب أو نحو ذلك من الأسباب الموجبة لرفع الموضوعات الخارجية.
والظاهر: أن القائل بعدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي أراد من المقتضي هذا المعنى، كما يشهد له التمثيل بالشك في بقاء البلد المبني على ساحل البحر، فان الشك في بقاء البلد إنما هو لأجل الشك في مقدار استعداده للبقاء، وهذا المعنى من الشك في المقتضي هو الذي ينبغي النزاع في اعتبار الاستصحاب فيه وعدمه، فإنه لا يلزم من القول بالتفصيل سد باب الاستصحاب مطلقا، كما يلزم منه ذلك إن أريد من المقتضي أحد الوجهين