السلام) ثم إن إبليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء في عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب والتمر فحرم الله تعالى على ذرية آدم كل مسكر لأن الماء جرى ببول عدو الله في النخل والعنب. وصار كل مختمر خمرا لأن الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدو الله تعالى إبليس ".
(قلت): هذا الخبر بحمد الله تعالى إن لم يكن حجة لنا لا يكون علينا وذلك أن سياق الخبر كما تقدمت الإشارة إليه إنما هو في بيان العلة في تحريم المسكر من العنب والتمر وغيرهما، ألا ترى إلى قوله (عليه السلام): " فأوحى الله تعالى إلى آدم أن العنب قد مصه عدوي وعدوك إبليس لعنه الله وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لأن عدو الله.. الخ "، وإلى قوله (عليه السلام) بعد حكاية بول إبليس لعنه الله في أصل الكرمة والنخلة: " فجرى الماء في عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب والتمر فحرم الله على ذرية آدم كل مسكر.. الخ " ولا دلالة فيه ولا إشارة إلى التحريم في التمر بمجرد الغليان كما تقدم في أخبار العصير العنبي.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات ثلاثة:
(الأول) في ماء التمر إذا غلى ولم يذهب ثلثاه، والمشهور بل كاد أن يكون اجماعا بل هو اجماع هو القول بحليته فإنا لم نقف على قائل بالتحريم ممن تقدمنا من الأصحاب وإنما حدث القول بذلك في هذه الأعصار المتأخرة، فممن ذهب إليه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي على ما يظهر من الوسائل ثم اشتهر ذلك الآن بين جملة من الفضلاء المعاصرين حتى صنفوا فيه الرسائل وأكثروا من الدلائل التي لا ترجع إلى طائل، وهذا هو الذي حدانا على تطويل الكلام في هذه المسألة في هذا المقام وإن كانت خارجة عن محل البحث إلا بنوع مناسبة تقتضي الدخول في سلكه والانتظام.