و (أما رابعا) فإن ما ذكره من وجهي الجمع بحمل رواية الطهارة على التقية أو حمل روايتي النجاسة على الكراهة وأيد الحمل الأول برعاية اتفاق أكثر الأصحاب والثاني بموافقة الأصل ففيه أن وجه الجمع الموافق لقواعد أهل العصمة (عليهم السلام) التي وضعوها إنما هو الأول لما استفاض عنهم من الأخبار في مقام اختلاف الروايات الواردة عنهم في الأحكام من العرض على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه والعرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه والأخذ بالمجمع عليه والأخذ بالأعدل ونحو ذلك، وأما الحمل على الكراهة والاستحباب والترجيح بالأصل كما اتخذوه قاعدة كلية في جميع الأبواب فهو اجتهاد صرف وتخريج بحت ورد لنصوص أهل الخصوص، وليت شعري أرأيت حين خرجت عنهم (عليهم السلام) هذه القواعد في ترجيح الأخبار في مقام الاختلاف لم يعلموا بهذا الأصل وأنه مما ترجح به الأخبار حتى أغفلوه وأهملوه أو علموا به ولم يذكروه والأول كفر محض فتعين الثاني وليس إلا لعدم صلاحيته للترجيح وإلا لعدوه في جملة هذه المرجحات.
وبهذا يظهر لك أيضا ما في كلام صاحب المدارك حيث قال بعد الكلام في المسألة: وبالجملة فالمسألة محل تردد لما بيناه فيما سبق من أنه ليس على نجاسة الميتة دليل يعتد به سوى الاجماع وهو إنما انعقد على النجاسة قبل الدبغ لا بعده، وعلى هذا فيمكن القول بالطهارة تمسكا بمقتضى الأصل وتخرج الروايتان شاهدا. انتهى.
أقول: لا تردد بحمد الله تعالى في ذلك بعد وضوح المدارك فيها والمسالك من الأخبار المستفيضة بنجاسة الميتة على العموم والجلد على الخصوص المعلوم وحمل المخالف في الثاني على التقية كما استفاضت به الأخبار عن سادات البرية. والله الهادي لمن يشاء (الثاني) اشترط ابن الجنيد في حصول الطهارة بالدباغ أن يكون ما يدبغ به طاهرا، قال في المختصر على ما نقل عنه: وليس يكون دباغها المحلل لها إلا بمحلل طاهر كالقرظ والشث والملح والتراب فإذا دبغت بشئ من النجس لم تطهر كالدارش فإنها