محسن فقال له خمس ولي أربعة أخماس فقال له الملك أحسن فإنك محسن فقال نوح له الربع ولي ثلاثة أرباع فقال له الملك أحسن فإنك محسن فقال له النصف ولي النصف فقال أحسن فأنت محسن فقال لي الثلث وله الثلثان فرضي فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس وهو حظه وما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح وهو حظه فذلك هو الحلال الطيب فيشرب منه ".
أقول: وقد دلت هذه الأخبار بأوضح دلالة لا يعتريها الانكار أن الشراب الذي يحرم بغليانه ولا يحل إلا بذهاب ثلثيه إنما هو ماء العنب لأن النزاع من آدم ونوح ومن إبليس لعنه الله إنما وقع في شجرة العنب خاصة دون سائر الأشجار. وحينئذ فما ورد في الأخبار من أن العصير يحرم بالغليان ولا يحل إلا بذهاب الثلثين إنما أريد به عصير العنب خاصة لأكل عصير كما توهمه غير واحد من قاصري النظر وإن ارتكب تخصيصه بأفراد أخر، وبالجملة فاختصاص العلة الموجبة للحرمة بما أخذ من الكرم يوجب بقاء ما أخذ من غيره على أصل الحلية والإباحة، نعم يحرم المسكر منها بالنصوص المستفيضة الدالة على أن ما أسكر كثيره فكثيره وقليله حرام ويبقى ما عداه غلى بالنار أو لم يغل على أصل الحلية، ويؤيد ذلك ما ورد في جملة من أخبار العصير الذي يحرم بالغلي ويحل بذهاب ثلثيه من التعبير عنه تارة بالعصير كما عرفت فيما تقدم من الروايات وتارة يعبر عنه بالطلاء وهو ما طبخ من عصير بالعنب وتارة يعبر عنه بالبختج بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة ثم التاء المثناة من فوق وفي آخره جيم وهو العصير من العنب المطبوخ وهو معرب پخته ".
وبالجملة فإنه لا يخفى على من تأمل في الأخبار الواردة بلفظ العصير في أبواب البيوع وأبواب الأشربة سؤالا وجوابا أن العصير كان شيئا معينا مخصوصا معلوما يسأل عنه تارة بجواز شربه وعدمه فيجاب بجواز شربه ما لم يغل وبعد الغلي فإنه يحرم حتى يذهب ثلثاه، ويسأل عمن يشربه ذهاب ثلثيه فيجاب بأنه فعل محرم، ويسأل عن جواز بيعه فيجاب بجواز بيعه