وفي الأخير نظر لأنه ليس في الأدلة فيما أعلم ما دل على الأمر بالغسل في كل مادة بحيث يشمل مورد النزاع لاختصاصها بالبدن والثوب وبعض الموارد الخاصة فتعدية الحكم إلى غيرها يحتاج إلى دليل. انتهى ففيه أن اللازم مما ذكره أحد أمرين وهو إما بقاء تلك الأشياء على النجاسة وعدم قول التطهير أو طهارتها من غير ماء، وبطلان الأمرين أظهر من أن يخفى على ذي روية. والتحقيق أن الطهارة بالغسل لا خصوصية لها بهذه الجزئيات التي وردت بها النصوص حتى يحتاج فيها إلى طلب الدليل ويقال إنه لا بد في طهارة كل جزئي من الأشياء المتنجسة من نص عليه بخصوصه فإنه مجرد سفسطة ظاهرة بل التحقيق أن تلك الجزئيات الواردة في النصوص إنما خرجت مخرج التمثيل لا على جهة الاختصاص وحينئذ فيصير الحكم كليا، وهذا البحث لا يختص بهذا الموضع بل هو جار في جميع الأحكام الشرعية من طهارة ونجاسة وصحة العبادة وبطلانها بالمبطلات ونحو ذلك ولا قائل به البتة. ولا يخفى على المتأمل في الأحكام والمتدبر في القواعد المقررة بين علمائنا الأعلام أن الأحكام الشرعية لم ترد عنهم (عليهم السلام) بقواعد كلية إلا نادرا وإنما صارت قواعد كلية بينهم بتتبع الجزئيات الواردة عنهم كالقواعد النحوية المبنية على تتبع كلام العرب كما لا يخفى.
(المقام الثاني) في ما انتقع في الماء النجس، قال العلامة في المنتهى: الصابون إذا انتقع في الماء النجس والسمسم والحنطة إذا انتقعا كان حكمها حكم العجين، ثم نقل عن بعض العامة أنه قال: الحنطة والسمسم إذا تنجسا بالماء واللحم إذا كان مرقه نجسا يطهر بأن يغسل ثلاثا ويترك حتى يجف في كل مرة فيكون ذلك كالعصر، ثم قال وهو الأقوى عندي لأنه قد ثبت ذلك في اللحم مع سريان أجزاء الماء النجسة فيه فكذا ما ذكرناه. انتهى. والظاهر من قوله: كان حكمها حكم العجين يعني في عدم قبول التطهير بالماء فإن ذلك مذهبه في العجين كما هو المشهور.
بقي الكلام في تقويته لما نقله عن بعض العامة من الغسل ثلاثا والتجفيف بعد كل