والمراد عري عن وصمة الشك والايراد.
وهذا الخبر ظاهر في الرد على ذلك الفاضل المتقدم ذكره المدعي لحصول الاسكار بالغليان، فإنه لو كان الأمر كما توهمه لم يكن لسؤال النبي (صلى الله عليه وآله) عن الاسكار معنى فإن الرجل قد ذكر في حكايته عن صفة النبيذ أنه غلى مرتين وفي الغلية الثانية وضع فيه العكر ولو كان السكر يحصل بمجرد الغليان لحرمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمجرد الغليان الأول، وبالجملة فالحديث المذكور واضح الظهور ساطع النور إلا على من اعترى فهمه وذهنه نوع فتور وقصور، والله الهادي لمن يشاء.
(الفائدة الثالثة) المستفاد من الأخبار المتقدمة في الفائدة الأولى أن العصير العنبي على قسمين منه ما يغلي ومنه ما لا يغلي، والأول منه ما يكون محرما وهو ما غلى قبل ذهاب ثلثيه وما يكون حلالا وهو قبل الغلي وما بعد ذهاب الثلثين، والقسم الثاني أيضا منه ما يكون محرما وهو ما طال مكثه حتى اختمر وصار مسكرا ومنه ما هو حلال وهو ما لم يبلغ الحد المذكور. وأما النبيذ كما صرحت به الأخبار في الفائدة الثانية فليس إلا قسمان غلى أو لم يغل: إن أسكر فهو حرام وإن لم يسكر فهو حلال، والاسكار يقع فيه تارة بطول مكثه في الإناء حتى يختمر ويصير مسكرا كما يشير إليه حديث السقاية وقوله (عليه السلام) بعد ذكر ما كان العباس يفعله لكسر غلظة الماء: " وأن هؤلاء قد تعدوا فلا تشربه " يعني أنه لما وصلت النوبة إلى هؤلاء المستحلين لشرب النبيذ المسكر تعدوا في الزيادة في التمر والزبيب الذي ينبذونه وطول مكثه في الأواني حتى صار مسكرا، وإليه يشير أيضا قوله (عليه السلام) في حديث حنان بن سدير: " وكان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم " والاغتلام لغة الاشتداد والمراد الكناية عن بلوغ حد الاسكار، وتارة بالغلي ووضع العكر فيه كما صرحت به الأخبار المتقدمة.
وبالجملة فإنه قد علم من هذه الأخبار كملا أن المحرم من العصير العنبي قسمان أحدهما ما على ولم يذهب ثلثاه والثاني ما أسكر، وأما المحرم من النبيذ فليس إلا المسكر خاصة فلو كان