و (أما ثالثا) فلأنه قد ورد في جملة من المواضع الخروج عن اليقين بمجرد الظن كما في صورة اخبار المرأة بموت الزوج واخبارها بالطلاق واخبارها بالخروج من العدة والنقاء من الحيض، فإن الشارع قد جوز قبول خبرها في هذه المواضع كلها وغاية ما يفيده هو الظن مع أن الأمور التي أخبرت بالخروج عنها متيقنة معلومة تترتب عليها أحكام شرعية وتنتفي تلك الأحكام بقبول خبرها، وحينئذ فقول ذلك القائل أن يقين النجاسة لا يخرج عنه إلا بيقين الطهارة إن أراد من حيث خصوص النجاسة فقد عرفت أنه لا دليل عليه، وإن أراد أنه حيثما كان اليقين وفي أي موضع كان فإنه لا يجوز الخروج عنه إلا بما يوجب اليقين فهذه جملة من المواضع قد جوز الشارع فيها الخروج عن اليقين بمجرد الظن، ونحو ذلك ما ورد في حسنة زرارة والفضيل (1) من أنه متى شك في الصلاة وأنه أتى بها أو لم يأت بها بعد خروج الوقت فإنه لا يلتفت، مع أن اشتغال الذمة متيقن ومجرد خروج الوقت لا يوجب يقين البراءة، بل ورد في القاعدة المتفق عليها من أن يقين الطهارة لا يجوز الخروج عنه إلا بيقين النجاسة ما أوجب الخروج في بعض الجزئيات بمجرد الشك كمن تطهر بعد أن بال ولم يستبرئ أو اغتسل ولم يبل ثم خرج منه بلل مشتبه فإن ينقض وضوءه وغسله مع أنه غير متيقن كونه بولا أو منيا، إلى غير ذلك من المواضع التي من هذا القبيل. ولا يخفى أنه ولو أمكن تطرق المناقشة إلى بعض ما ذكرناه من الأدلة إلا أنها باجتماعها مما تفيد دلالة قوية على ما ذكرناه والله العالم.
البحث الثاني فيما تجب إزالته من النجاسات وما يعفى عنه وفيه مسائل: (الأولى) اتفق الأصحاب عدا ابن الجنيد على أنه تجب إزالة النجاسات عن الثوب والبدن للصلاة والطوافين الواجبين عدا الدم على التفصيل الآتي فيه إن شاء الله تعالى، وكذا ما تتم