فلا يخفى ما فيه على العارف النبيه فضلا عن الحاذق الفقيه، وهذه عامة الناس في جميع الأقطار يطبخون الأطعمة بعصير التمر والدبس بل يطبخونها خاصة ويأكلونها ولم يدع أحد منهم حصول الاسكار، وبالجملة فبطلان هذا الكلام أظهر من أن يحتاج إلى تطويل في المقام ولا شاهد أبلغ من ضرورة العيان وعدول الوجدان.
ومن أظهر الأخبار في الباب وأوضحها دلالة عند ذوي الألباب ما رواه في الكافي بسنده عن محمد بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1) قال: " قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من اليمن قوم فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم فلما ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض نسينا أن نسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عما هو أهم إلينا ثم نزل القوم ثم بعثوا وفدا لهم فأتى الوفد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا يا رسول الله إن القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما النبيذ صفوه لي؟ فقالوا يؤخذ من التمر فينبذ في إناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلئ ويوقد تحته حتى ينطبخ فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء آخر ثم صبوا عليه ماء ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر ويغلي ثم يسكن على عكره. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا هذا قد أكثرت أفيسكر؟
قال نعم. قال فكل مسكر حرام. قال فخرج الوفد حتى انتهوا إلى أصحابهم فاخبروهم بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال القوم ارجعوا بنا إلى رسول الله حتى نسأله عنها شفاها ولا يكون بيننا وبينه سفير فرجع القوم جميعا فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرضنا أرض دوية ونحن قوم نعمل الزرع ولا نقوى على العمل إلا بالنبيذ؟
فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) صفوه لي فوصفوه كما وصف أصحابهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفيسكر؟ فقالوا نعم. قال كل مسكر حرام.. الحديث " وقد جاء هذا الخبر مفصلا بأوضح تفصيل لا يعتريه القال والقيل وهو صريح في المطلوب