وأنت خبير بأن ظاهر اطلاق الأخبار المذكورة الدلالة على القول الأول. وهذا القول أيضا ظاهر الصدوق في الفقيه حيث إنه عبر فيه بمضمون حسنة الحلبي فقال:
ومن أصاب ثوبه جسد الميت فليغسل ما أصاب الثوب منه. وبذلك يظهر قوة القول المذكور إلا أن قوله (عليه السلام) في موثقة عبد الله بن بكير (1) " كل شئ يابس ذكي " المعتضد بجملة من الأخبار الدالة في جملة من المواضع على عدم تعدي النجاسة مع اليبوسة مما يدافع العمل باطلاق هذه الأخبار، وأيضا أن تقييد المطلق أقرب من تخصيص العام وحينئذ فالأظهر حمل الملاقاة الموجبة للغسل على الملاقاة برطوبة من أحدهما، ومما يستأنس له بذلك قوله في رواية إبراهيم بن ميمون؟ " ما أصاب ثوبك منه " في الموضعين فإنه ظاهر في أن إصابة الثوب هو لرطوبة أو قذر على الميت، إلا أن هذا الحمل بعيد في التوقيع المذكور. ويمكن حمله على الاستحباب سيما مع اشتماله على ما لا يقول به جمهور الأصحاب من النجاسة قبل البرد، ومن ذلك يعلم قوة القول الرابع، ويؤيده أيضا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (2) " عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال ليس عليه غسله وليصل فيه ولا بأس به ".
وأما ما ذهب إليه المحدث الكاشاني من حمل أخبار النجاسة في الميت والكافر ونحوهما مما ذكره على مجرد الخبث الباطني دون المعنى الشرعي الموجب لغسل الملاقي له برطوبة - فهو من متفرداته الواهية التي هي لبيت العنكبوت - وأنه لأوهن البيوت - مضاهية وكيف لا الأخبار المتقدمة ظاهرة في وجوب غسل الملاقي له هو مظهر النجاسة، والظاهر أن منشأ الشبهة عنده هو أنه لو كان نجسا كالأعيان النجسة لم يقبل التطهير بالغسل كما يدل عليه كلامه في المفاتيح، وهذا دليل الشافعي على ما ذهب إليه من عدم نجاسة