(المقام الثالث) في ماء الحصرم، لا ريب في أن مقتضى الأصل والعمومات من الآيات والروايات المتقدمة هو حل ماء الحصرم وإن طبخ ولم يذهب ثلثاه، وروايات العصير قد عرفت في الفائدة الأولى اختصاصها بماء العنب خاصة والحصرم ليس بعنب اتفاقا والأحكام الشرعية تابعة للتسمية العرفية، وأنت إذا أمعنت النظر في روايات العصير المطبوخ والتعبير عنه في الأخبار تارة بالعصير مطلقا الذي قد عرفت أنه محمول على عصير العنب تارة بعصير العنب وتارة بالطلاء الذي قد عرفت آنفا أنه ما طبخ من عصير العنب وتارة بالبختج وهو العصير المطبوخ كما عرفت أيضا وتارة أتى بشراب يزعم أنه على الثلث وتارة إذا كان يخضب الإناء فاشربه المكنى به عن كونه دبسا وأمثال ذلك وجدت أن الحصرم لا يدخل في شئ من ذلك فإن الحصرم لا يعمل كذلك والمتعارف طبخه قديما وحديثا إنما هو عصير العنب لما فيه من الحلاوة التي يصير بها ذا قوام وغلظ ويشرب وتترتب عليه المنافع المطلوبة منه، وماء الحصرم لا يطبخ على حدة وإنما يطبخ في اللحم أحيانا كما يدل عليه بعض الأخبار، وبالجملة فالأمر في ذلك أظهر من أن يحتاج إلى مزيد بيان بعد شهادة عدول الوجدان في جميع الأزمان، ومع فرض أن ماء الحصرم ربما يطبخ على حدة فاطلاق الأخبار لا يشمله فإن الاطلاق إنما ينصرف إلى الأفراد الشائعة المتعارفة الجارية بين الناس دون الفروض النادرة كما يحمل أحدنا كلام من يخاطبه على ما هو المتعارف الجاري في العادة، ولو تكلف حمله على غير المتعارف المعتاد لعنف بين العباد، وكذا الخطاب الوارد عنهم (عليهم السلام) يجب حمله على ما هو المتعارف المتكرر المشهور.
وقد وقفت في هذا المقام على كلام لشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني (قدس سره) لا يخلو من نظر واشكال، حيث قال في جواب سائل يسأله: ما القول في خل العنب إذا طبخ أو لم يطبخ وفي ماء الحصرم إذا غلى وفي الزبيب إذا طبخ معه الطعام؟ فكتب ما هذه صورته: أقول في هذه المسألة ثلاث مسائل، أما