قتله هانئ بن الخطاب الهمداني، وقالت حضرموت: نحن قتلناه قتله مالك بن عمرو الحضرمي، وقالت بكر بن وائل نحن قتلنا قتله محرز بن الصحصح من بني تيم اللات بن ثعلبة. قال: وقد روي أن قاتله حريث بن جابر الحنفي، وكان رئيس بني حنيفة يوم صفين مع علي عليه السلام حمل عبيد الله بن عمر على صف بني حنيفة وهو يقول:
أنا عبيد الله ينميني عمر * خير قريش من مضى ومن غبر الا رسول الله والشيخ الأغر * قد أبطأت عن نصر عثمان مضر والربعيون فلا سقوا المطر * وسارع الحي اليمانون الغرر والخير في الناس قديما يبتدر فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي وهو يقول:
قد سارعت في نصرها ربيعه * في الحق والحق لهم شريعه فاكفف فلست تارك الوقيعة * في العصبة السامعة المطيعة حتى تذوق كأسها الفظيعة (القطيعة) فطعنه فصرعه. فقال كعب بن جعيل شاعر أهل الشام يرثي عبيد الله. قال ابن أبي الحديد: والشعر يدل على أن ربيعة قتلته لا همدان ولا حضرموت. وذكر نصر عشرة ابيات أولها:
الا انما تبكي العيون لفارس * بصفين أجلت خيله وهو واقف يقول فيها:
وقرت تميم سعدها وربابها * وخالفت الخضراء فيمن يخالف وليس في الأبيات ما يدل على أن ربيعة قتلته الا ما يمكن أن يكون في هذا البيت. وقال المسعودي في مروج الذهب: ان عبيد الله بن عمر برز أمام الناس في أربعة آلاف من الخضرية معممين بشقق الحرير الأخضر، وابن عمر يقدمهم وهو يقول: (أنا عبيد الله ينميني عمر) الرجز السابق، فناداه علي: ويحك يا ابن عمر علا م تقاتلني؟ قال: أطلب بدم عثمان.
قال: أنت تطلب بدم عثمان، والله يطلبك بدم الهرمزان؟ وأمر علي الأشتر النخعي بالخروج اليه، فخرج الأشتر اليه وهو يقول:
اني انا الأشتر معروف الشتر * اني انا الأفعى العراقي الذكر لست من الحي ربيع أو مضر * لكنني من مذحج البيض الغرر فانصرف عنه عبيد الله ولم يبارزه. ثم قال المسعودي: كان عبيد الله بن عمر إذا خرج إلى القتال قام اليه نساؤه فشددن عليه سلاحه ما خلا الشيبانية بنت هانئ بن قبيصة - وهو صاحب وقعة ذي قار مع كسرى التي انتصر فيها العرب على كسرى - فخرج في هذا اليوم وأقبل على الشيبانية وقال لها: اني قد عبأت اليوم لقومك وأيم الله اني لأرجو ان أربط بكل طنب من أطناب فسطاطي سيدا منهم. فقالت: ما أبغض إلي ان تقاتلهم. قال ولم؟ قالت: لأنه لم يتوجه إليهم صنديد الا أبادوه، وأخاف أن يقتلوك، وكأني بك قتيلا وقد أتيتهم أسألهم ان يهبوا لي جيفتك! فرماها بقوس فشجها وقال لها: ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك. ثم توجه فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي (1) فطعنه فقتله، وقيل إن الأشتر النخعي هو الذي قتله، وقيل إن عليا ضربه فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفه حشوة جوفه، وان عليا قال حين هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان: لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره - وكان عبيد الله قتل الهرمزان لما قتل أبو لؤلؤة عمر فأراد علي ان يقيده به فهرب - وكلمت نساؤه معاوية في جيفته، فامر ان تأتين ربيعة فتبذلن في جيفته عشرة آلاف، فاستأمرت ربيعة عليا فقال: ان جيفته لا يحل بيعها، فاجعلوا جيفته لبنت هانئ بن قبيصة الشيباني زوجته. فاتت القوم وقالت: أنا بنت هانئ بن قبيصة وهذا زوجي القاطع الظالم قد حذرته ما صار اليه فهبوا لي جيفته، ففعلوا وألقت إليهم بمطرف خز فأدرجوه فيه وكان قد شد في رجله طنب فسطاط من فساطيطهم اه. وهو قد كان وعدها ان يربط بكل طنب من أطناب فسطاطه سيدا من قومها، ففعل الله به ذلك. وفعل علي كما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما بذل له مال في جيفة بعض المشركين. وقال الصلتان العبدي يذكر مقتل عبيد الله، وان حريث بن جابر الحنفي قتله من أبيات:
ألا يا عبيد الله ما زلت مولعا * ببكر لها تهدي اللقا والتهددا وكنت سفيها قد تعودت عادة * وكل امرئ جار على ما تعودا حباك أخو الهيجا حريث بن جابر * بجياشة تحكي (تهدي) الهدير المبددا قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: كان حريث بن جابر نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء، وكان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن والسويق والماء، فمن شاء أكل أو شرب، وفي ذلك يقول الشاعر:
لو كان بالدهنا حريث بن جابر * لاصبح بحرا بالمفازة جاريا وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ما يدل على رسوخ قدم حريث بن جابر وثباته في طاعة أمير المؤمنين عليه السلام - ولا بد من ذكر أول القصة باختصار ليرتبط الكلام وان طال قال ذكروا ان الناس لما رفعت المصاحف بصفين باحوا وقالوا: أكلتنا الحرب وقتلت الرجال. وقال قوم: نقاتل القوم على ما قتلناهم عليه أمس، ولم يقل هذا الا قليل من الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة، فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال: انه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى أن اخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت وأخذت من عدوكم فلم تترك وانها فيهم أنكى وأنهك، الا اني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهيا فأصبحت منهيا وقد أحببتم البقاء وليس لي ان أحملكم على ما تكرهون. ثم قعد، وتكلمت رؤساء القبائل، فاما ربيعة، وهي الجبهة العظمى، فقام كردوس بن هانئ البكري فحث على طاعة علي عليه السلام بأبلغ كلام فقال أيها الناس! انا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه ولا تبرأنا من علي منذ توليناه وان قتلانا لشهداء وان أحياءنا لأبرار وان عليا لعلى بينة من ربه وما أحدث الا الإنصاف وكل محق منصف فمن سلم له نجا ومن خالفه هلك. ثم قام شقيق بن ثور البكري فدعا إلى التحكيم والموادعة. ثم قام حريث بن جابر البكري فايد ما قاله كردوس فقال: أيها الناس! ان عليا لو كان خلوا من هذا الأمر لكان المفزع اليه، فكيف وهو قائده وسائقه، وانه والله ما قبل من القوم اليوم الا ما دعاهم اليه أمس ولو رده عليهم كنتم له أعنت ولا يلحد في هذا الامر الا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور فما بيننا وبين من طغى علينا الا