وفي الدرجات الرفيعة: روي أن عبد الله بن مسعود لما بلغه نفي أبي ذر إلى الربذة وهو إذ ذاك بالكوفة - قال في خطبة له بمحفل من أهل الكوفة: فهل سمعتم قوله تعالى (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) يعرض بمن نفاه، فكتب الوليد بذلك لعثمان، فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به إلى الأرض وجعل منزله حبسه، وحبس عنه عطاءه أربع سنين إلى أن مات. وروى الشيخ في الأمالي بسنده عن أسعد بن زرارة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال لما قدم أبو ذر على عثمان قال أخبرني أي البلاد أحب إليك؟ قال مهاجري، قال لست بمجاوري، قال فالحق بحرم الله فأكون فيه؟ قال لا، قال فالكوفة أرض بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال لا، قال فلست بمختار غيرهن، فامره بالمسير إلى الربذة، فقال إن رسول الله ص قال لي اسمع وأطع وانقد حيث قادوك ولو لعبد حبشي مجدع، فخرج إلى الربذة وأقام مدة، ثم أتى المدينة فدخل على عثمان والناس عنده سماطين، فقال يا أمير المؤمنين انك أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع الا شويهات وليس لي خادم الا محررة ولا ظل يظلني الا ظل شجرة، فاعطني خادما وغنيمات أعيش فيها، فحول وجهه عنه، فتحول إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك، فقال له حبيب بن مسلمة لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمسمائة شاة، قال أبو ذر: اعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني فاني إنما اسال حقي في كتاب الله، فجاء علي (ع) فقال له عثمان الا تغني عنا سفيهك هذا؟ قال أي سفيه؟ قال أبو ذر، قال علي (ع) ليس بسفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون (ان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) اه. وذكر صاحب الدرجات الرفيعة هذا الخبر نقلا عن بعض المؤرخين وزاد فيه: قال انشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك لأبي ذر؟ فقام أبو هريرة وغيره فشهدوا بذلك، فولى علي ولم يجلس اه. وفي تفسير علي بن إبراهيم ان أبا ذر رحمه الله دخل على عثمان وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت اليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون اليه ويطمعون أن يقسمها فيهم، فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟
فقال عثمان مائة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد أن أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي، فقال أبو ذر يا عثمان أيما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير؟ فقال: بل مائة ألف درهم، فقال: أما تذكر اني أنا وأنت دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشاء فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له بآبائنا وأمهاتنا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا وعدنا إليك اليوم فرأيناك ضاحكا مستبشرا؟ فقال نعم كان بقي عندي من فئ المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت أن يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت فنظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شئ؟ فقال لا لو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شئ، فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا ابن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال: (والذين يكنزون الذهب - الآية)، فقال عثمان يا أبا ذر انك شيخ خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك فقال يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك، وأما عقلي فقد بقي منه ما أحفظ حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال وما سمعت من رسول الله؟ قال سمعته يقول إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دخلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا! فقال عثمان يا معشر أصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالوا لا! فقال عثمان ادع عليا، فجاء أمير المؤمنين فقال له عثمان: يا أبا الحسن أنظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب، فقال أمير المؤمنين: يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أظلت الخضراء - الحديث -، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق أبو ذر فقد سمعنا هذا من رسول الله فبكى أبو ذر عند ذلك، فقال عثمان يا أبا ذر بحق رسول الله الا أخبرتني عن شئ أسألك عنه! فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخبرتك! فقال أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فقال مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت، فقال لا ولا كرامة لك، فقال المدينة؟ قال لا ولا كرامة لك قال فسكت أبو ذر، فقال عثمان أي البلاد أبغض إليك تكون فيها؟ فقال الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام، فقال عثمان سر إليها، فقال أبو ذر صدق الله ورسوله اه.
كتابه إلى حذيفة بن اليمان يشكو اليه ما فعل به حكى السيد المرتضى في كتاب الفصول عن أبي مخنف قال: حدثني الصلت عن زيد بن كثير عن أبي أمامة قال كتب أبو ذر إلى حذيفة بن اليمان يشكو اليه ما صنع به عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا أخي فخف الله مخافة يكثر منها بكاء عينيك وحرر قلبك وأسهر ليلك وانصب بدنك في طاعة الله فحق لمن علم أن النار مثوى من سخط الله عليه ان يطول بكاؤه ونصبه وسهر ليله حتى يعلم أنه قد رضي الله عنه وحق لمن علم أن الجنة مثوى من رضي الله عنه ان يستقبل الحق كي يفوز بها ويستصغر في ذات الله الخروج من أهله وماله وقيام ليله وصيام نهاره وجهاد الظالمين الملحدين بيده ولسانه حتى يعلم أن الله أوجبها له وليس بعالم ذلك دون لقاء ربه. وكذلك ينبغي لكل من رغب في جوار الله ومرافقة أنبيائه أن يكون. يا أخي أنت ممن استريح إلى التصريح اليه ببثي وحزني وأشكو اليه تظاهر الظالمين علي اني رأيت الجور يعمل به بعيني وسمعته يقال فرددته فحرمت العطاء وسيرت إلى البلاد وغربت عن العشيرة والاخوان وحرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وأعوذ بربي العظيم ان يكون مني هذا شكوى ان ركب مني ما ركب، بل انباتك اني قد رضيت ما أحب لي ربي وقضاه علي، وأفضيت ذلك إليك لتدعو الله لي ولعامة المسلمين بالروح والفرج وبما هو أعم نفعا وخير مغبة وعقبى والسلام.
جواب حذيفة له فكتب اليه حذيفة: بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد يا أخي فقد بلغني كتابك تخوفني به وتحذرني فيه منقلبي وتحثني فيه على حظ نفسي فقديما يا أخي ما كنت بي وبالمؤمنين حفيا لطيفا وعليهم حدبا شفيقا ولهم بالمعروف آمرا وعن المنكرات ناهيا وليس يهدي إلى رضوان الله الا هو ولا يتناهى من