سخطه الا بفضل رحمته وعظيم منه فنسأل الله ربنا لأنفسنا وخاصتنا وعامتنا وجماعة أمتنا مغفرة عامة ورحمة واسعة، وقد فهمت ما ذكرت من تسييرك يا أخي وتغريبك وتطريدك فعز والله علي يا أخي ما وصل إليك من مكروه ولو كان يفتدى ذلك بمال لأعطيت فيه مالي طيبة بذلك نفسي ليصرف الله عنك بذلك المكروه، والله لو سالت لك المواساة ثم أعطيتها لأحببت احتمال شطر ما نزل بك ومواساتك في الفقر والأذى والضرر، لكنه ليس لأنفسنا إلا ما شاء ربنا، يا أخي فافزع بنا إلى ربنا ولنجعل اليه رغبتنا فانا قد استحصدنا واقترب الصرام فكأني وإياك قد دعينا فأجبنا وعرضنا على أعمالنا فاحتجنا إلى ما أسلفنا، يا أخي ولا تأس على ما فاتك ولا تحزن على ما أصابك واحتسب فيه الخير وارتقب فيه من الله أسنى الثواب، يا أخي لا أرى الموت لي ولك الا خيرا من البقاء فإنه قد أظلتنا فتن يتلو بعضها بعضا كقطع الليل المظلم قد انبعثت من مركبها ووطئت في خطامها تشهر فيها السيوف وتنزل فيها الحتوف يقتل فيها من اطلع لها والتبس بها وركض فيها ولا يبقى قبيلة من قبائل العرب من الوبر والمدر الا دخلت عليهم فاعز أهل ذلك الزمان أشدهم عتوا وأذلهم اتقاهم، فأعاذنا الله وإياك من زمان هذه حال أهله. لن أدع الدعاء لك في القيام والقعود والليل والنهار وقد قال الله ولا خلف لموعده: (ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) فنستجير بالله من التكبر عن عبادته والاستنكاف عن طاعته جعل الله لنا ولك فرجا ومخرجا عاجلا برحمته والسلام عليك.
كيفية وفاته في الاستيعاب في باب الأسماء: نفاه عثمان وأسكنه الربذة فمات بها وصلى عليه عبد الله بن مسعود صادفه وهو مقبل من الكوفة في نفر فضلاء من أصحابه منهم حجر بن الأدبر - وهو حجر بن عدي الكندي قتيل مرج عذرا - ومالك بن الحارث الأشتر وفتى من الأنصار دعتهم امرأته اليه فشهدوا موته وغمضوا عينيه وغسلوه وكفنوه في ثياب للأنصاري في خبر عجيب حسن فيه طول. وفي خبر غيره أن ابن مسعود لما دعي اليه وذكر له بكى بكاء طويلا وقد قيل إن ابن مسعود كان يومئذ مقبلا من المدينة إلى الكوفة فدعي إلى الصلاة عليه فقال ابن مسعود من هذا؟ قيل أبو ذر فبكى بكاء طويلا فقال أخي وخليلي عاش وحده ومات وحده ويبعث وحده طوبى له. وكانت وفاته بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود. ذكر علي ابن المديني قال حدثنا يحيى بن سليم قال حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر زوجة أبي ذر قالت لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك؟ فقلت ما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك ولا بد لي من القيام بجهازك! قال فأبشري ولا تبكي فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا وقد مات لنا ثلاثة من الولد. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لنفر انا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد الا وقد مات في قرية وجماعة (ولم يبق غيري وقد أصبحت بالفلاة أموت) فانا ذلك الرجل فوالله ما كذبت ولا كذبت فابصري الطريق، قلت اني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق، قال اذهبي فتبصري قالت فكنت اشتد إلى الكثيب فانظر ثم ارجع اليه فأمرضه، فبينما أنا وهو كذلك إذا انا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم فاسرعوا إلي حتى وقفوا علي، فقالوا يا أمة الله ما لك؟ قلت امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه (وتؤجرون فيه)، قالوا ومن هو؟ قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت نعم قالت ففدوه بآبائهم وأمهاتهم (ثم وضعوا سياطهم في نحورها) وأسرعوا اليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم أبشروا فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لنفر انا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي ولامرأتي لم أكفن الا في ثوب هو لي أو لها، وإني أنشدكم الله أن يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال الا فتى من الأنصار، فقال: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي، قال أنت تكفنني، قال: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم ايمان اه. ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن إبراهيم بن الأشتر مثله، ورواه ابن سعد في الطبقات بطريقين إلى إبراهيم بن الأشتر أحدهما يوافق ما في الاستيعاب، والآخر يخالفه قليلا. وفي احدى روايتي الحاكم في المستدرك كان حجر المدري ومالك الأشتر وان الأنصاري قال انا أكفنك في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي حتى أحرم فيهما، فقال أبو ذر: كفاني. وفي روايته الأخرى قال علي بن عبد الله المديني - ليحيى بن سليم الطائفي - الذي روى عنه علي هذا الحديث - تجد بهم رواحلهم أو تخب؟ قال تجد بالدال. وفي الاستيعاب في باب الكنى بسنده عن الحلحال بن ذر الضبي قال خرجنا حجاجا مع ابن مسعود سنة أربع وعشرين ونحن أربعة عشر راكبا حتى أتينا على الربذة فشهدنا أبا ذر فغسلناه وكفناه ودفناه هناك رضي الله عنه اه وفي الطبقات بسنده عن عبد الله بن مسعود. لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره ولم يكن معه الا امرأته وغلامه فأوصاهما ان اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر فقولوا له هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمارا فلم يرعهم الا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل ان تطأها فقام اليه الغلام فقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيره إلى تبوك اه.
ورواه الحاكم في المستدرك من جملة حديث نحوه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 32: فيها مات أبو ذر وكان قد قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحدا؟ قالت لا، قال فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها ثم قال إذا جاءك الذين يدفنوني - فإنه سيشهدني قوم صالحون - فقولي لهم يقسم عليكم أبو ذر ان لا تركبوا حتى تأكلوا، فلما نضجت قدرها قال لها أنظري هل ترين أحدا؟ قالت نعم هؤلاء ركب!
قال استقبلي بي الكعبة ففعلت، فقال: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم مات، فخرجت ابنته فتلقتهم وقالت رحمكم الله اشهدوا أبا ذر!
قالوا وأين هو؟ فأشارت اليه، قالوا نعم ونعمة عين لقد أكرمنا الله بذلك.
وكان فيهم ابن مسعود فبكى وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يموت وحده ويبعث وحده فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، و قالت لهم ابنته: ان أبا