وجدت علي في نفسك من ذلك. قال: لو مررت بك وأنت في عذرة أهلك كان أحب إلي مما رأيتك فيه (وبسنده) عن أبي ذر أنه قال يولدون للموت، ويعمرون للخراب ويحرصون على ما يفنى، ويتركون ما يبقى، الا حبذا المكروهان الموت والفقر. وبسنده عن أبي ذر أنه قال: في المال ثلاثة شركاء:
القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم. فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن فان الله عز وجل يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون) الا وان هذا الجمل مما كنت أحب من مالي، فأحببت ان أقدمه لنفسي. وبسنده عن أبي السليل قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت: يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة! فقال: يا بنية ضعيها فان أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء الا أفلسه هذه. وبسنده عن أبي ذر قال: ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي ذر أنه قال: اني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، وذلك اني سمعته يقول:
أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيأة ما تركته فيها، وانه والله ما منكم من أحد الا وقد تشبث منها بشئ غيري. وفي البحار عن كتاب الحسين بن سعيد عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر (ع) قال: أتى أبا ذر رجل يبشره بغنم له قد ولدت فقال: يا أبا ذر أبشر فقد ولدت غنمك وكثرت! فقال: ما يسرني كثرتها وما أحب ذلك، فما قل وكفى أحب إلي مما كثر وإلهي! اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على حافتي الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مر عليه الوصول للرحم المؤدي للأمانة لم يتكفأ به في النار اه.
عبادته روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي عثمان النهدي قال رأيت أبا ذر يميد على راحلته وهو مستقبل مطلع الشمس فظننته نائما فدنوت منه فقلت أنائم أنت يا أبا ذر قال لا بل كنت أصلي (وفي حلية الأولياء) بسنده عن محمد بن واسع ان رجلا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر يسألها عن عبادة أبي ذر فقال جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر قالت كان النهار أجمع خاليا يتفكر. وروى الصدوق في الخصال بسنده عن الصادق عليه السلام قال كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر.
شدة خوفه من الله في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر قال والله لو تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم ولا تقاررتم على فرشكم، والله لوددت ان الله عز وجل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويؤكل ثمرها. وروى الصدوق في الخصال بسنده عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: بكى أبو ذر من خشية الله عز وجل حتى اشتكى بصره، فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله ان يشفي بصرك! فقال: اني عنه لمشغول وما هو من أكبر همي! قالوا وما يشغلك عنه؟ قال: العظيمان الجنة والنار اه. وفي البحار عن كتاب الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن الثمالي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال: إن أبا ذر عير رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمه فقال له:
يا ابن السوداء - وكانت أمه سوداء - فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعيره بأمه يا أبا ذر! فلم يزل أبو ذر يمرع وجهه في التراب ورأسه حتى رضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه اه.
بعض فتاواه في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر ان رجلا أتاه فقال: ان مصدقي عثمان ازدادوا علينا أ نغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ فقال لا قف ما لك وقل ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلا فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة وعلى رأسه فتى من قريش. فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال: أرقيب أنت علي، فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمصمامة ههنا، ثم ظننت اني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ان تحتزوا لأنفذتها اه.
موالاته لعلي (ع) في كشف الغمة عن أحمد بن مردويه في كتاب المناقب عن محمد بن علي بن رحيم عن الحسن بن الحكم الخيري عن سعد بن عثمان الخزاز عن أبي مريم عن داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة الليثي قال: الا أحدثك بحديث لم يختلط؟ قلت بلى! قال: مرض أبو ذر فأوصى إلى علي (ع) فقال بعض من يعوده لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان كان أجمل لوصيتك من علي! قال والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين!
والله انه للربيع الذي يسكن اليه ولو قد فارقكم، لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض، قال قلت يا أبا ذر انا لنعلم ان أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحبهم إليك! قال اجل! قلنا فأيهم أحب إليك؟ قال هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه، يعني علي بن أبي طالب.
وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي قال روى محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال أتيت أبا ذر بالربذة أودعه، فلما أردت الانصراف قال لي ولأناس معي: ستكون فتنة فاتقوا الله وعليكم بالشيخ: علي بن أبي طالب فاتبعوه.
بعض اخباره روى الكليني في روضة الكافي عن شعيب العقرقوفي قلت لأبي عبد الله (ع) شئ يروى عن أبي ذر رضي الله عنه انه كان يقول ثلاث يبغضها الناس وأنا أحبها أحب الموت وأحب الفقر وأحب البلاء. فقال إن هذا ليس على ما ترون انما عنى بالموت في طاعة الله أحب إلي من الحياة في معصية الله، والبلاء في طاعة الله أحب إلي من الصحة في معصية الله، والفقر في طاعة الله أحب إلي من الغنى في معصية الله اه.
وروى الكليني في روضة الكافي بسنده عن أبي عبد الله (ع) قال:
كان رجل بالمدينة يدخل مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اللهم آنس وحشتي وصل وحدتي وارزقني جليسا صالحا فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلم عليه وقال له من أنت يا عبد الله فقال أنا أبو ذر فقال الرجل الله أكبر الله أكبر فقال أبو ذر ولم تكبر يا عبد الله فقال إني دخلت المسجد فدعوت الله عز وجل أن يؤنس وحشتي وان يصل وحدتي وان يرزقني جليسا صالحا فقال له أبو ذر انا أحق بالتكبير منك إذا كنت ذلك الجليس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول انا وأنتم على ترعة يوم القيامة حتى يفرع الناس من الحساب ثم يا عبد الله فقد نهى السلطان عن مجالستي اه.