رسول الله فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث فأسرعوا وخرجوا وعسكروا بالجرف فأمر عليهم جعفر بن أبي طالب فان قتل فزيد بن حارثة فان قتل فعبد الله بن رواحة، هذا في رواية أبان بن عثمان عن الصادق (ع) ويدل عليه شعر حسان بن ثابت وشعر كعب بن مالك الآتيين من رثاء جعفر وأصحابه حيث يقول حسان:
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة اصعر ويقول كعب:
إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم ونعم الأول والاعتبار يقتضي ذلك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليؤمر عليهم غير جعفر مع كفاءته وكونه اهلا للامارة وتفوقه على الآخرين في الشجاعة والاخلاص كما يدل عليه ما في الاستيعاب قال ذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال مثل لي جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدودا ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود قال فسألت أو قيل لي انهما حين غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدا بوجوههما واما جعفر فإنه لم يفعل اه ومع ذلك فيقول ابن أبي الحديد:
اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول فان قتل فجعفر فان قتل فعبد الله، قال: وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول فان قتل فزيد فان قتل فعبد الله ورووا في ذلك روايات وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم ثم ذكر قصيدة حسان وأبيات كعب الآتية.
أقول: يوشك ان يكون رواية ان الأمير الأول كان زيد بن حارثة سببها كان العداوة لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام فلم يشأ أعداؤه ان يتركوا له شيئا مما يمكنهم دفعه الا دفعوه وأنكروه وبذلوا الأموال لمن يروي لهم ذلك كما أنكروا اسلام أبي طالب ورووا فيه الأحاديث وجاء من بعدهم فرأى هذه الأحاديث فأودعها في الصحاح وقبلها الناس لظنهم صدقها مع أنها مصادمة للضرورة، قال الواقدي ودفع اللواء إلى أميرهم وهو لواء ابيض ومشى الناس إلى جعفر وأصحابه يودعونهم وكانوا ثلاثة آلاف وروى الواقدي بسنده ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج مشيعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع وانه خطبهم وأوصاهم فقال: أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى احدى ثلاث فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم واكفف عنهم ادعهم إلى الدخول في الاسلام فان فعلوا فاقبل واكفف ثم ادعهم إلى التحول عن دارهم إلى دار المهاجرين فان فعلوا فأخبرهم ان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين وان دخلوا في الاسلام واختاروا دارهم فأخبرهم انهم يكونون كاعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله ولا يكون لهم في الفئ ولا في الغنيمة شئ الا ان يجاهدوا مع المسلمين فان أبوا فادعهم إلى اعطاء الجزية فان فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم فان أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وأوصاه إذا طلبوا ان تستنزلوا لهم على حكم الله فلا تفعل بل تستنزلهم على حكمك فلعلك لا تصيب حكم الله وان أرادوا ان تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تفعل ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وأصحابك فإنكم ان تخفروا ذممكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وقال إنكم ستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا ولا كبيرا فانيا ولا تقطعن نخلا ولا شجرا ولا تهدمن بناء. قال الواقدي ومضى المسلمون فنزلوا وادي القرى وأقاموا به أياما وساروا حتى نزلوا بمؤتة وبلغهم ان هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر وبهرأ ولخم وجذام وغيرهم مائة ألف مقاتل وعليهم رجل من بلى. قال ابن إسحاق في مائة ألف من الروم وانضم إليهم مائة ألف من العرب عليهم رجل من بلى يقال له مالك فأقام المسلمون ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنخبره الخبر فاما ان يردنا أو يزيدنا فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدة ولا كثرة سلاح ولا كثرة خيل الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به انطلقوا فقاتلوا فقد والله رأيتنا يوم بدر وما معنا الا فرسان انما هي احدى الحسنيين اما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله ورسوله وليس لوعده خلف واما الشهادة فشجع الناس على قوله قال ابن إسحاق: ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها قال ابن إسحاق وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين: وتعبأ المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له عبادة أو عباية بن مالك قال ابن إسحاق ثم التقى الناس فاقتتلوا واخذ اللواء جعفر بن أبي طالب وقاتل قتالا شديدا حتى إذا الحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها أو عرقبها فكان أول رجل عقر فرسه في الاسلام ثم قاتل وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيتها ضرابها وفي عمدة الطالب: لما رأى جعفر الحرب قد اشتدت والروم قد غلبت اقتحم عن فرس له أشقر ثم عقره وهو أول من عقر في الاسلام وقاتل حتى قطعت يده اليمنى فأخذ الراية بيده اليسرى وقاتل إلى أن قطعت اليسرى أيضا فاعتنق الراية وضمها إلى صدره حتى قتل ووجد به نيف وسبعون وقيل نيف وثمانون ما بين طعنة وضربة ورمية قال الواقدي: قيل إنه ضرب رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في كرم هناك فوجد فيه ثلاثون أو بضعة وثلاثون جرحا قال وروى نافع عن ابن عمر انه وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان وسبعون ضربة وطعنة بالسيوف والرماح وفي الطبقات الكبير في رواية الفضل بن دكين عن نافع عن ابن عمر: وجد فيما اقبل من بدن جعفر بن أبي طالب ما بين منكبيه تسعون ضربة بين طعنة رمح وضربة بسيف وقال الواقدي اثنتان وسبعون ضربة وفي الطبقات بسنده عن نافع عن ابن عمر وجدنا جعفر بن أبي طالب وبه طعنة ورمية بضع وتسعون فوجدنا ذلك فيما اقبل من جسده وقال عبد الله بن أبي بكر وجد في بدن جعفر أكثر من ستين جرحا و وجد به طعنة قد أنفذته اه.
وفي الاستيعاب روينا عن ابن عمر أنه قال وجدنا ما بين صدر جعفر بن أبي طالب ومنكبيه وما اقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح وقد روي اربع وخمسون جراحة والأول أثبت اه قال البلاذري