برسول يأتي من بعده اسمه احمد - فأمرنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئا ونقيم الصلاة ونؤتي الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر.
فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو قال: له أصلح الله الملك انهم يخالفونك في عيسى بن مريم، فقال النجاشي لجعفر ما يقول صاحبك في ابن مريم؟ قال يقول فيه قول الله هو روح الله وكلمته اخرجه من البتول العذراء لم يقربها بشر (ولم يفرضها ولد) فتناول النجاشي عودا من الأرض فرفعه فقال يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون (ما نقول) في ابن مريم ما يزن هذه (ولا وزن هذه) مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده (إلى آخر الخبر) اه وفي تاريخ ابن كثير عن الحافظ أبي نعيم في الدلائل بسنده عن أبي موسى مثله، وزاد وكان عمرو بن العاص رجلا قصيرا وكان عمارة رجلا جميلا وكانا أقبلا في البحر فشربا ومع عمرو امرأته فقال عمارة لعمرو مر امرأتك فلتقبلني فقال له عمرو الا تستحي فأخذ عمارة عمرا فرمى به في البحر فجعل عمرو يناشد عمارة حتى ادخله السفينة فحقد عليه عمرو في ذلك فقال عمرو للنجاشي انك إذا خرجت خلفك عمارة في أهلك فدعا النجاشي بعمارة الخ... وهكذا رواه الحافظ البيهقي في الدلائل من طريق أبي علي الحسن بن سلام السواق عن عبيد الله بن موسى فذكر باسناده مثله قال وهذا اسناد صحيح اه وفي تاريخ ابن كثير عن الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النجاشي ونحن نحوا من ثمانين رجلا وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ثم قالا له ان نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا فبعث إليهم فقال جعفر انا خطيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم يسجد فقالوا له ما لك لا تسجد للملك قال انا لا أسجد الا لله عز وجل قال وما ذاك قال إن الله بعث الينا رسولا ثم أمرنا ان لا نسجد لأحد الا لله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة قال عمرو فإنهم يخالفونك في عيسى بن مريم قال فما تقولون في عيسى بن مريم وأمه قال نقول كما قال الله هو كلمته وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسسها بشر ولم يفرضها ولد، قال فرفع عودا من الأرض ثم قال يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما ساوى هذا مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده أشهد انه رسول الله وانه الذي نجد في الإنجيل وانه الرسول الذي بشر به عيسى بن مريم انزلوا حيث شئتم والله لولا ما انا فيه من الملك لأتيته حتى أكون انا الذي احمل نعليه وامر بهدية الآخرين فردت اليهما اه وفي تاريخ ابن كثير أيضا: واما قصة جعفر مع النجاشي فان الحافظ ابن عساكر رواها في ترجمة جعفر بن أبي طالب من تاريخه من رواية جعفر نفسه ومن رواية عمرو بن العاص وعلى يدهما جرى الحديث ومن رواية ابن مسعود كما تقدم وأم سلمة كما سيأتي فاما رواية جعفر فإنها عزيزة جدا رواها ابن عساكر بسنده عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال بعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي فقالوا له - ونحن عنده - قد صار إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا فادفعهم الينا قال لا حتى اسمع كلامهم فبعث الينا رسولا فآمنا به وصدقناه فقال لهم النجاشي أعبيدهم لكم قالوا لا فقال فلكم عليهم دين قالوا لا قال فخلوا سبيلهم فخرجنا من عنده فقال عمرو بن العاص ان هؤلاء يقولون في عيسى غير ما تقول قال إن لم يقولوا في عيسى مثل قولي لم أدعهم في ارضي ساعة من نهار فأرسل الينا فكانت الدعوة الثانية أشد علينا من الأولى قال ما يقول صاحبكم في عيسى بن مريم قلنا يقول هو روح الله وكلمته ألقاها إلى عذراء بتول فقال ادعوا لي فلان القس وفلان الراهب فأتاه ناس منهم فقال ما تقولون في عيسى بن مريم قالوا أنت أعلمنا فما تقول قال النجاشي - واخذ شيئا من الأرض -: ما عدا عيسى ما قال هؤلاء مثل هذا ثم قال أيؤذيكم أحد قالوا نعم فنادى مناد من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أيكفيكم قلنا لا فأضعفها (الحديث). وليس لجعفر ذكر في تاريخ ابن عساكر المطبوع وهو يدل على أنه نقص منه كما ذكرناه في ترجمة جارية بن قدامة السعدي.
ثم إن مضامين هذه الروايات التي ذكر فيها عمرو وعمارة موافق للتي ذكر فيها عمرو وعبد الله بن أبي ربيعة وهذا يدل على أن ذكر عمارة سهوا أبدل به عبد الله بن أبي ربيعة.
وأما ارسال قريش عمرو بن العاص إلى النجاشي ومعه عبد الله بن أبي ربيعة ليكيدا جعفرا وأصحابه فقد رواه ابن إسحاق وغيره قال ابن أبي الحديد: وأما خبر عمرو بن العاص في شخوصه إلى الحبشة ليكيد جعفر ابن أبي طالب والمهاجرين فقد رواه كل من صنف في السيرة اه ونحن ننقله من رواية ابن إسحاق وربما نقلنا من رواية غيره قال ابن إسحاق فيما حكاه ابن هشام في سيرته فلما رأت قريش ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة وانهم قد أصابوا بها دارا وقرارا ائتمروا بينهم ان يبعثوا فيهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي فيردهم عليهم ليفتنوهم عن دينهم ويخرجوهم من دارهم التي اطمأنوا بها وامنوا فيها فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ثم بعثوهما اليه فيهم فقال أبو طالب حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوا به فيهم أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم:
الا ليت شعري كيف في النأي جعفر * وعمرو وأعداء العدو الأقارب فهل نال افعال النجاشي جعفرا * وأصحابه أو عاق ذلك شاغب تعلم أبيت اللعن انك ماجد * كريم فلا يشقى لديك المجانب تعلم بان الله زادك بسطة * وأسباب خير كلها بك لازب وانك فيض ذو سجال غزيرة * ينال الأعادي نفعها والأقارب وروى ابن إسحاق بسنده عن أم سلمة ان قريشا ائتمروا بينهم ان يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منه جلدين وان يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها الادم فجمعوا له ادما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا الا اهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص فأمروهما بأمرهم وقالوا لهما ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل ان تكلما النجاشي فيهم ثم قدما إلى النجاشي هداياه، ثم سلاه ان يسلمهم اليكما قبل ان يكلمهم قالت فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق الا دفعا اليه هديته قبل ان يكلما النجاشي وقالا لكل بطريق منهم انه قد ضوي - اي اوى - إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم اشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بان يسلمهم الينا ولا يكلمهم فان قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما نعم ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا أيها الملك انه قد ضوي إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم اشراف قومهم من آبائهم