وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عليهم فهم أعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه قالت ولم يكن شئ أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي فقالت بطارقته حوله صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم اليهما فليردانهم إلى بلادهم وقومهم فغضب النجاشي ثم قال لاها الله إذا لا أسلمهم اليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى ادعوهم فاسألهم عما يقول هذان في أمرهم فإن كان كما يقولون أسلمتهم اليهما ورددتهم إلى قومهم وان كانوا على غير ذلك منعتهم منهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني ثم ارسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه، قال جعفر نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن. قال ابن كثير عن موسى بن عقبة: فلما دخلوا عليه سلموا ولم يسجدوا له فقال أيها الرهط أ لا تحدثونني ما لكم لا تحيونني كما يحييني من اتانا من قومكم فأخبروني ماذا تقولون في عيسى وما دينكم أنصارى أنتم؟ قالوا لا قال أفيهود أنتم قالوا لا قال فعلى دين قومكم قالوا لا قال فما دينكم قالوا الاسلام، قال فما الاسلام فوصفوه له قال جعفر واما التحية فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا ان تحية أهل الجنة السلام وأمرنا بذلك فحييناك بالذي يحيي به بعضنا بعضا واما عيسى بن مريم فعبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول فأخذ عودا وقال والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود فقال عظماء الحبشة والله لئن سمعت الحبشة لتخلعنك فقال والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا وما أطاع الله الناس في حين رد علي ملكي فأطيع الناس في دين الله معاذ الله من ذلك. وقال ابن إسحاق في روايته: فلما جاؤوا - وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله - سألهم فقال لهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الملل فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وكل ما يعرف من السيئات وأمرنا ان نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام والصدقة وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة - فعدد عليه أمور الاسلام - وتلا شيئا لا يشبهه شئ فصدقناه وآمنا به واتبعناه وعرفنا ان ما جاء به هو الحق من عند الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا واحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك أيها الملك فقال له النجاشي هل معك مما جاء به عن الله من شئ؟ فقال له جعفر نعم، فقال له النجاشي فاقرأه علي فقرأ عليه صدرا من (كهيعص) قالت أم سلمة فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكى أساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي ان هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فلا والله لا أسلمهم اليكما ولا يكادون.
قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لأتينه غدا بما استأصل به خضراءهم فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان اتقى الرجلين فينا - لا تفعل فان لهم أرحاما وان كانوا قد خالفونا، قال والله لأخبرنه انهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد ثم غدا عليه الغد فقال أيها الملك انهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه فأرسل إليهم ليسألهم عنه قالت أم سلمة ولم ينزل بنا مثلها قط فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ما ذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه فقال جعفر نقول والله فيه ما قال الله عز وجل وما جاءنا به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم ما ذا تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا بين إصبعيه ثم قال والله ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا العويد فتناخرت بطارقته حوله حين قال جعفر ما قال، فقال وان نخرتم والله وقال للمسلمين اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من سبكم غرم. من سبكم غرم. من سبكم غرم. ما أحب ان لي دبرا أو دبرا من ذهب قال ابن هشام ويقال زبرا - واني آذيت رجلا منكم - والزبر بلسانهم الذهب والدبر بلسان الحبشة الجبل - ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه وليخرجا من بلادي قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
فوالله انا لعلى ذلك إذ نزل به رجل الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمتنا حزنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا ان يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده وأرسل المسلمون الزبير ليأتيهم بخبره فظفر النجاشي بعدوه فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها.
وقال ابن أبي الحديد: روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال لقد كاد عمرو بن العاص عمنا جعفرا بأرض الحبشة عند النجاشي وعند كثير من رعيته بأنواع الكيد فردها الله تعالى عنه بلطفه (إلى أن قال): وما زال ابن الجزار عدوا لنا أهل البيت اه.
وفي الدرجات الرفيعة عن جابر لما قدم جعفر من أرض الحبشة أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامرأته أسماء بنت عميس من غنائم خيبر وقال اشبهت خلقي وخلقي اه.
مقتله قتل جعفر (ع) شهيدا في غزوة مؤتة وكانت في جمادي الأولى سنة 8 من الهجرة (ومؤتة) بضم الميم وهمزة ساكنة ومثناة فوقية ويقال موتة بسكون الواو وحذف الهمزة موضع معروف عند الكرك بأدنى البلقاء. وكان سببها فيما رواه الواقدي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي سنة 8 إلى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال أين تريد قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسول غيره فبلغ ذلك