ولما وفد وجوه أهل اليمن على المأمون كان فيهم محمد زياد ولد عبد الله بن زياد بن أبي سفيان فاستعطف المأمون وضمن له حياطة اليمن من العلويين فوصله وولاه على اليمن وقدمها سنة ثلاث ومائتين وفتح تهامة اليمن وهي البلد التي على ساحل البحر الغربي واختط بها مدينة زبيد ونزلها وأصارها كرسيا لتلك المملكة وولى على الجبال مولاه جعفرا وفتح تهامة بعد حروب من العرب واشترط على عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل واستولى على اليمن أجمع ودخلت في طاعته أعمال حضر موت والشجر وديار كندة وصار في مرتبة التبابعة وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حمير بقية الملوك التبابعة استبدوا بها مقيمين بالدعوة العباسية ولهم مع صنعاء مسحان ونجران وحرش وكان أخوهم أسعد بن يعفر ثم أخوه قد دخلوا في طاعة ابن زياد وولى بعده ابنه إبراهيم ثم ابنه زياد بن إبراهيم ثم أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم وطالت مدته إلى إلى أن أسن وبلغ الثمانين وقال عمارة ملك ثمانين سنة باليمن وحضر موت والجزائر البحرية ولما بلغه قتل المتوكل وخلع المستعين واستبداد الموالى على الخلفاء مع ارتفاع اليمن ركب بالمظلة شأن سلاطين العجم المستبدين وفى أيامه خرج باليمن يحيى بن الحسين ابن القاسم الرسي ابن إبراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية جاء بها من السند وكان جده القاسم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبي السرايا ومهلكه كما مر فلحق القاسم بالسند وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين ونزل صعدة وأظهر دعوة الزيدية وزحف إلى صنعاء فملكها من يد أسعد بن يعفر ثم استردها منه بنو أسعد ورجع إلى صعدة وكان شيعته يسمونه الامام وعقبه الآن بها وقد تقدم خبرهم وفى أيام أبى الجيش بن زياد أيضا ظهرت دعوة العبيديين باليمن فأقام بها محمد ابن الفضل بعده لاعة وجبال اليمن إلى جبال المد بحرة سنة أربعين وثلثمائة وبقي له باليمن من السرجة إلى عدن عشرون مرحلة ومن مخلافة إلى صنعاء خمس مراحل ولما غلبه محمد بن الفضل بهذه الدعوة امتنع أصحاب الأطراف عليه مثل بنى أسعد ابن يعفر بصنعاء وسليمان بن طرف بعتر والامام الرسي بصعدة فسلك معهم طريق المهادنة ثم هلك أبو الجيش سنة احدى وسبعين وثلثمائة بعد أن اتسعت جبايته وعظم ملكه قال ابن سعيد رأيت مبلغ جبايته وهو ألف ألف مكررة مرتين وثلثمائة ألف وستة وستون ألفا من الدنانير العشرية ما عدا ضرابية على مراكب السند وعلى العنبر الواصل بباب المندب وعدن أبين وعلى مغائص اللؤلؤ وعلى جزيرة هلك ومن بعضها وصائف وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر يهادونه ويخطبون مواصلته ولما مات خلف صبيا صغيرا اسمه عبد الله وقيل إبراهيم وقيل زياد وكفلته وأخته ومولاه
(٢١٣)