الأول: ما ذكر لبيان الموضوع، بمعنى ان الموضوع للحكم ليس امرا وراء الشرط حتى يكون الشرط قيدا له بل الموضوع بنفسه قد عبر عنه بالجملة الشرطية كقوله: (ان رزقت ولدا فاختنه) فمال هذه القضية إلى قضية حملية، هو قولنا: (الولد يجب ختانه) إذ لو عبر بهذا النحو أيضا كان مقتضاه تحقق الحكم عند تحقق الولد، فان الحكم يتوقف على ثبوت موضوعه وقد ذكر في محله ان القضايا الحقيقية ترجع إلى قضايا شرطية، فالشرط في هذا القسم من الشرطيات ليس من قيود الموضوع، بل هو بنفسه متكفل لبيان الموضوع.
الثاني: ما ذكر لبيان قيد دخيل في ثبوت الحكم للموضوع، فلا محالة يكون مع قطع النظر عن الشرط، موضوع مفروض الوجود، كقوله:
(الماء إذا بلغ قدر كر لم ينجسه شي)، فالماء في المثال امر مفروض الوجود وهو الموضوع للعاصمية، غاية الأمر دخالة الكرية في ثبوت هذا الحكم لموضوعه.
ولا يخفى ان الشرط في القسم الأول لا مفهوم له ولا يدل على العدم عند العدم الا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع. وان شئت قلت: ان المفهوم حينئذ، أشبه شي بمفهوم اللقب فان مال قولنا: (ان رزقت ولدا فاختنه) إلى قولنا: (الولد يجب ختانه) كما مر. واما في القسم الثاني، فيثبت المفهوم إذ الفرض كون الموضوع امرا اخر وراء الشرط، فالتقييد بالشرط يجب ان يكون لفائدة وقد عرفت ان فائدة القيد دخالته في الموضوعية وعدم كون الموضوع لفظا تمام الموضوع.
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: ان الشرط في الآية الشريفة، مسوق لبيان تحقق الموضوع فمال الآية إلى أن خبر الفاسق يحرم العمل به بدون التبين ولا محالة يكون الحكم تابعا لثبوت موضوعه ومعنى قوله تعالى: (ان جاءكم فاسق بنبأ) انه ان وجد خبر الفاسق فلا تعملوا به بدون التبين فلا مجال للاستدلال بمفهوم الشرط على حجية خبر العادل ولو كان النبأ مفروض الوجود وأريد تقسيمه باعتبار الجائي به وتخصيص الحرمة بقسم منه لكان اللازم ان يعبر بغير عبارة الآية فان التعبير الوارد فيها ظاهر في كونه لبيان تحقق الموضوع، فالذي يمكن ان يستدل به في الآية، هو مفهوم الوصف، فان حيثية الخبر الواحد لو كانت مقتضية لحرمة العمل لكان ذكر كلمة الفاسق لغوا فذكره يدل على دخالته في ثبوت الحكم أعني حرمة العمل بدون التبين ووجوب التبين عند العمل. فافهم.