حقيقة فاردة، ويجعلها متعلقة لامر واحد، لكن وحدة المتعلق بحسب اللحاظ والاعتبار فقط، فهو بحسب الواقع أمور متكثرة، لكل منها وجود على حدة، وعلى هذا فالامر المتعلق بها وإن كان واحدا، لكنه يتبعض ويتكثر اعتبارا بتبعض المتعلق وتكثره، فيمكن أن يصير معلوما ومنجزا ببعضه، ومجهولا غير منجز ببعضه الاخر.
فكما أن المتصل الواحد كمأ الحوض مثلا مع كونه واحدا حقيقيا - من جهة أن الاتصال مساوق للوحدة الشخصية - يتجزأ ويتبعض، و بتبعضه يتبعض ما يعرضه من اللون، وربما يخالف لون بعض الاجزاء لون غيره، ومع ذلك لا تنثلم به وحدة الماء، فكذلك الواحد الاعتباري المتكثر حقيقة كالصلاة مثلا، فحيث إنها متكثرة حقيقة يتبعض الامر الوحداني المتعلق بها، ويمكن أن يعرض لبعضه لون العلم ويبقى بعضه مجهولا. فإذا علم المكلف بتعلق الامر ببعض الاجزاء، وشك في تعلقه بشئ آخر، وبالغ في الفحص اللازم عليه، ولم يعثر على ما يدل على جزئيته، يكون العقاب المستند إلى ترك هذا الجز المشكوك عقابا بلا بيان.
لا أقول: إن الامر يتبعض ويتكثر حقيقة، بل نقول: انه مع وحدته و بساطته لما تعلق بما هو متكثر حقيقة يتحقق فيه نحو تكثر اعتباري، بحيث يمكن أن يتعلق العلم ببعضه ويبقى البعض مجهولا، فما تعلق به العلم تنجز لا محالة، وليس العقاب من قبله عقابا بلا بيان، وما بقي مجهولا يكون العقاب المستند إليه عقابا بلا بيان، فيكون الامر بعكس متعلقه. فالمتعلق كثير حقيقة وواحد بحسب اللحاظ و الاعتبار، والامر واحد حقيقي ومتكثر اعتبارا بتبع متعلقه.
والحاصل: أن تبعض الامر الواحد بحسب العلم والجهل والتنجز و عدمه لا محذور فيه، بعد تكثر المتعلق حقيقة. فترك الاجزاء المعلومة يوجب العقاب سواء كان الواجب في متن الواقع هو الأقل أو الأكثر، و ترك الجز المشكوك فيه لا يوجبه.
وإن شئت قلت: ان الأقل منجز مطلقا، بمعنى أن تركه يستلزم استحقاق العقاب إما على نفسه أو على ترك الأكثر المستند إليه، وما لا يوجب العقوبة هو ترك الأكثر المستند إلى ترك الجز المشكوك فيه فقط. وبعبارة أوضح: محل البحث ليس صورة كون التكليف إنشائيا فقط، بحيث لم يصدر بداعي البعث والتحريك، فإن العلم بهذا التكليف لا يوجب استحقاق العقوبة على تركه، بل النزاع إنما هو في التكليف الفعلي الصادر بداعي البعث والتحريك، ولكن صرف فعلية التكليف وتماميته من قبل المولى لا يكفي في استحقاق العبد للعقوبة ما لم يحصل له علم لا لقصور في ناحية التكليف، فإنه مطلق بالنسبة إلى العلم والجهل، بل لقصور في ناحية العبد.