الثاني: أن حصول العلم للجاهل بالوضع والمستعلم له يتوقف على التبادر، ويراد به التبادر عند العالمين بالوضع، لا لدى هذا الشخص المستعلم، هذا، ويمكن أن يستشكل على جعل التبادر علامة للوضع هنا: هل إن المراد بالوضع هنا خصوص التعييني منه أو الأعم منه و من التعيني؟ فإن أريد خصوص التعييني لم يكن التبادر علامة له، إذ لا يحرز به خصوصه، وإن أريد الأعم قلنا: إنه عين التبادر، إذ لا معنى للوضع الجامع لقسميه إلا كون اللفظ بحيث إذا سمع فهم منه المعنى. وهو بعينه التبادر والدلالة الشأنية، كما عرفت في مبحث الوضع. [1] وبالجملة: فيتحد الوضع والدلالة والتبادر، وليس الوضع بمعناه الجامع أمرا وراء التبادر حتى يصير علامة له، فافهم العلامة الثانية من علائم الحقيقة: عدم صحة السلب، وبعبارة أخرى صحة الحمل، كما أن صحة السلب علامة المجازية، وحيث إن كلا من الحمل والسلب يتوقف على موضوع ومحمول تصدى المحقق القمي (قدس سره) لبيانهما بما حاصله: ان المحمول المسلوب في علامة المجاز جميع المعاني الحقيقية، بمعنى أن صحة سلب جميع المعاني الحقيقية عن المستعمل فيه فعلا علامة المجازية، والمحمول المثبت للموضوع في علامة الحقيقة واحد من المعاني الحقيقية لا جميعها (انتهى). وكان الداعي إلى هذا التفكيك هو عدم ورود النقض في اللفظ المشترك. و لا يخفى أن تقرير العلامتين بهذا النحو لا يخلو من الفساد، إذ بعد إحراز جميع المعاني الحقيقية لا يبقى شك حتى يجعل لنا علامة. و لأجل الفرار من هذا الاشكال ذكر شيخنا الأستاذ (طاب ثراه) في الكفاية تقريبا آخر وحاصله - بتوضيح منا -: ان الموضوع في القضية هو المعنى الذي أريد بيان حاله، والمحمول عبارة عن نفس اللفظ لا بما أنه صوت من الأصوات، بل بما أنه مندك فيما وضع له وفان فيه و مرآة له. وبعبارة أخرى بما أنه يعد من مراتب وجود المعنى، ولاجل ذلك يعبر عنه بالوجود اللفظي. وصحة حمل اللفظ بهذا اللحاظ على المعنى الذي أريد بيان حاله بالحمل الأولي علامة كونه عين الموضوع له، وبالحمل الشائع علامة كونه من أفراده. وكذلك في طرف [1] أقول: يمكن أن يقال إن التبادر عبارة عن انسباق المعنى من اللفظ، ولا يمكن هذا الانسباق إلا لسبق خصوصية بين اللفظ والمعنى، تكون بمنزلة العلة للانسباق الفعلي، وهي أنس اللفظ بالمعنى والعلقة الحاصلة بينهما المعبر عنها بالدلالة الشأنية. وإن أبيت وجود الخصوصية بين اللفظ والمعنى اعتبارا، وتحاشيت عنه، فلا أقل من وجود أنس وحالة في ذهن المخاطب سابقا على سماع هذا الاستعمال، وبسببه يتحقق الانسباق الفعلي، فالتبادر عبارة عن الانسباق الفعلي، والوضع أمر سابق عليه، يكون بمنزلة العلة لهذا الانسباق فافهم ح - ع - م.
(٤٠)