فيما أصاب، باستحقاق الذم والعقاب على مخالفته وعذرا فيما أخطأ قصورا. إلى أن قال:
(ولا يخفى ان ذلك لا يكون بجعل جاعل لعدم جعل تأليفي بين الشئ ولوازمه. انتهى).
أقول: صريح عبارته (قده) ان الوجوب الثابت لمتابعة القطع عقلي، موضوعه نفس المتابعة بما هي متابعة. وقد عرفت ان هذا الوجوب امر يحكم به جميع العقلا وهو عبارة أخرى عن حجية القطع كما اصطلح عليه القدماء وعن منجزيته كما في اصطلاح المتأخرين. و ليس التنجز والحجية عين القطع بل هما من لوازمه وثبوتهما له ليس بجعل تأليفي بين القطع وبينهما لعدم تخلل الجعل بين الملزوم واللازم.
وبالجملة: فالمدعى في كلامه، عدم شبهة العقلا في أن متابعة، القطع بما هي متابعة يثبت لها الوجوب عقلا الذي هو عين الحجية و المنجزية ودليله على ذلك، هو انهما من لوازمه وثبوت اللازم للملزوم بديهي لا يتخلل بينهما جعل. فتأمل.
ثم انك قد عرفت ان الحكم الواقعي يتنجز اما بالقطع أو بأحد الطرق أو بنفس الاحتمال إذا لم يكن في البين فحص. ومعنى منجزية هذه الأمور له، هو انه بوجوده الواقعي، ليس مدارا للثواب والعقاب ما لم يحصل أحد هذه الأمور، فما هو المقتضى لثبوت الاستحقاق، هو وجود أحد هذه الأمور لا نفس التكليف الواقعي وعلى هذا فلو فقد هذه الأمور لم يكن التكليف منجزا وكان المكلف معذورا، سواء قطع بخلاف الواقع أيضا أم لا. وعذره يكون مستندا إلى عدم ثبوت المقتضى للتنجز لا إلى ثبوت المانع عنه كما هو واضح.
وعلى هذا فعد القطع بالخلاف عذرا، كما في الكفاية فاسد، فان العذر حينئذ يستند إلى عدم ثبوت المقتضى للتنجز أعني القطع بالوفاق أو غيره من المنجزات لا إلى ثبوت القطع بالخلاف، فلو فرض عدم المنجزات وعدم القطع بالخلاف أيضا، كان معذورا كما في الغافل و في من احتمل التكليف بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل.
نعم ما ذكره (قده) من أن القاطع بالخلاف انما يكون معذورا فيما إذا كان عن قصور دون ما إذا كان مقصرا، صحيح، ولكن عذره من جهة عدم وجود المقتضي للتنجيز.
والحاصل ان القاصر يكون معذورا إذا فقد المنجزات سواء قطع بالخلاف أم لا والمقصر، لا يعذر وان قطع بالخلاف أيضا كما إذا كان في أول الأمر ملتفتا إلى التكليف ومحتملا لثبوته ولم يتفحص عنه كمال التفحص بل اقتصر على تتبع ناقص ثم قطع بعدمه، فان هذا الشخص غير معذور قطعا في مخالفته للواقع. فتدبر.