لان يحمل عليها نقيضها، فلا بد في تعلق الطلب بها من إشراب معنى الوجود الذي هو الموجب لتحققها، بحيث لولاه لما كان لها أثر و خبر، ومن هنا نقول: بأصالة الوجود، لما نرى من أن ضمه إلى الماهية هو الذي يوجب تحققها، وقبله كانت هباء منثورا. ثم إنه ليس مرادنا من تعلق الطلب بالوجود تعلقه بالوجود الخارجي الحاصل، للزوم تحصيل الحاصل وهو باطل، ولا تعلقه بالطبيعة لتوجد بأن يجعل الوجود غاية له، بل المراد أنه يتعلق بنفس إيجاد الطبيعة، و المطلوب هو جعل وجودها بنحو الهلية البسيطة، هذا بناء على أصالة الوجود، وأما بناء على أصالة الماهية، فالمطلوب أيضا جعلها من الخارجيات، لا هي من حيث هي، لما ذكرنا من أنها في مرتبة ذاتها لا تستحق لان يحمل عليها إلا ذاتها وذاتياتها، فلا يجوز أن تحمل عليها المطلوبية (انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه).
أقول: يمكن أن يقال إن متعلق الطلب عبارة عن نفس حيثية الطبيعة من غير احتياج إلى إشراب معنى الوجود فيها، إذ مقتضى المداقة العقلية والتحقيق الفلسفي وإن كان تركب الممكن من حيثيتين:
إحداهما ما نفس حقيقته التحقق (وهو الوجود)، وثانيتهما أمر اعتباري لا بشرط بالنسبة إلى التحقق وعدمه، بحيث يحتاج في تحققه إلى حيثية تقييدية (وهو الماهية)، ولكن الذي يلاحظ الطالب حين طلبه هو نفس الطبيعة، من جهة حكايتها لما يوجد في الخارج، من دون أن يلاحظ ماهية ووجودا ثم يضيف الوجود إليها، وذلك من جهة أنه لا يرى الطبيعة حاكية إلا للوجودات، فإنها المصاديق لها دون المعدومات، إذ لا يعقل أن يتصف المعدوم بكونه مصداقا للطبيعة، و هذا لا ينافي كون الطبيعة بحسب الدقة الفلسفية لا بشرط بالنسبة إلى الوجود والعدم.
ثم إن ما ذكره (قده) من أن الطبيعة من حيث هي ليست إلا هي أمر متين، ولكنه إنما يصح إذا كان النظر مقصورا على مرتبة ذاتها. [1] و أما إذا لوحظت باعتبار إضافة شي إليها فلا مانع من أن يحمل عليها سوى الذات والذاتيات، ففيما نحن فيه بعد ملاحظة كون الطبيعة مضافا إليها للطلب لا مانع من أن تحمل عليها المطلوبية. ولا يتوهم عدم صحة كون الذات مضافا إليها قياسا على عدم صحة كونها محمولا عليها لغير الذات والذاتيات، وذلك لبداهة أن قياس الإضافة بالحمل قياس مع الفارق، فلا مانع من إضافة شي إلى نفس حيثية الطبيعة، كالطلب فيما نحن فيه، وبعد إضافته إليها تحمل عليها المطلوبية.
[1] وبعبارة أخرى قولهم: الطبيعة من حيث (إلخ) ناظر إلى الحمل الأولي الذاتي لا الشائع الصناعي، فهي بالحمل الأولي ليست إلا هي، و لا يحمل عليها بهذا الحمل سوى الذات والذاتيات، واما بالحمل الشائع فيحمل عليها جميع العناوين المنتزعة عنها باعتبار إضافة شي إليها ح - ع - م.