الطبيعة المطلوبة بقيد الوقت، وهذا المعنى لا يلائم تعدد المطلوب، فإن التقييد عبارة أخرى عن حمل المطلق على المقيد، وذلك إنما يتصور فيما إذا أحرز وحدة الطلب والحكم، فلا يعقل أن يجتمع مع تعدد المطلوب.
توضيح ذلك: أنه إذا كان لنا دليلان: أحدهما مطلق والاخر مقيد، فهو على نحوين:
الأول: أن يحرز كونهما بصدد بيان حكم واحد، غاية الأمر تعارضهما من جهة المتعلق، كما إذا قال المولى: إن ظاهرت فأعتق رقبة، و قال أيضا: إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة، فإنه من الواضحات أن الثابت على تقدير الظهار حكم واحد، غاية الأمر أن مقتضى ظاهر الدليل الأول هو كون عتق الرقبة بإطلاقه متعلقا للوجوب، ومقتضى الدليل الثاني هو كون المتعلق وما هو تمام المطلوب عبارة عن عتق الرقبة المقيدة بالايمان، فحينئذ يحمل المطلق على المقيد من جهة أن ظهور المقيد في دخالة القيد أقوى من ظهور المطلق، فيرفع اليد عن ظاهره.
الثاني: أن لا يحرز وحدة الحكم، بل يعلم أو يحتمل تعدده وحينئذ لا مجال لحمل المطلق على المقيد، إذ لا تعارض بينهما، حتى يحمل أحدهما على الاخر، فيؤخذ بظهور كل واحد منهما، فيثبت حكمان تعلق أحدهما بالطبيعة المطلقة والاخر بالمقيدة، ومن هذا الباب ما ورد في المستحبات من المطلقات والمقيدات، إذ لا سبيل إلى إحراز وحدة الحكم في الاحكام الندبية، فلا يحمل المطلق فيها على المقيد، بل يحمل الأول على مرتبة ضعيفة من الندب، والثاني على مرتبة قوية منه، ولاجل ذلك اشتهر بينهم أن حمل المطلق على المقيد لا يتمشى في أدلة السنن.
وبالجملة: حمل المطلق على المقيد إنما يتمشى فيما إذا أحرز وحدة الطلب والمطلوب، ففرض تعدد المطلوب يوجب الخروج مما نحن فيه، إذ الكلام إنما هو في الموقت الذي هو قسم من المقيدات.
فإن قلت: يمكن أن يكون دليل المطلق ناظرا إلى بيان مطلوبية أصل الطبيعة، ودليل المقيد ناظرا إلى تقييد المرتبة القوية، ومقتضى ذلك هو كون أصل الطبيعة مطلوبة مطلقا سواء أتي بها في الوقت أو في خارجه، غاية الأمر، أن إيجادها في الوقت يوجب شدة المطلوبية.
قلت: نعم ولكنه أيضا خارج مما نحن فيه، فإن الدليلين على هذا لا تعارض بينهما، ولا يحمل المطلق منهما على المقيد.
والحاصل: ان محل النزاع فيما نحن فيه هو الموقت الذي هو قسم من المقيدات فما ذكرت من بقاء المطلق على إطلاقه خارج مما نحن فيه، فافهم.