حيثية الطبيعة، فيجب لا محالة أن يتعلق الامر بنفس الطبيعة المطلقة، لا بقيد إطلاقها، بحيث يكون الاطلاق أيضا ملحوظا، بل بنفس حيثية الطبيعة التي لها إطلاق وسريان ذاتي، وقد يكون المشتمل على المصلحة عبارة عن الطبيعة المقيدة بقيد واحد أو أكثر، فحينئذ لا بد من أن يتعلق الامر بهذه الطبيعة المشتملة على المصلحة - أعني المقيدة بالقيد الواحد أو الأكثر -، ولا يجوز في صورة عدم دخالة خصوصية من الخصوصيات في اشتمال الطبيعة على المصلحة أن تعتبر هذه الخصوصية في متعلق الأمر للزوم الجزاف. وعلى هذا ففي ما نحن فيه ما هو المشتمل على الملاك والمصلحة عبارة عن طبيعة الصلاة المقيدة بوقوعها بين الحدين، فتقييدها عند الامر بها بالوقوع في غير الان الأول مثلا تقييد لها بما لا دخالة له في اشتمالها على المصلحة، فلا يجوز للمولى هذا التقييد، بل يجب عليه أن لا يلاحظ إلا ما له دخل في المصلحة الباعثة على الامر، فالمتعلق للامر الصلاتي ليس إلا طبيعة الصلاة المقيدة بوقوعها بين الحدين، وهذه الطبيعة مقدورة بواسطة القدرة على فرد منها، وإذا أتى المكلف واحدة من أفرادها فقد تحقق منه الامتثال، سواء كان هو الفرد الأول أو الثاني أو غيرهما، فإن ترك المكلف إتيانها في ضمن الفرد الأول صار الفرد الأول غير مقدور من جهة مضي وقته، ولكن الطبيعة المأمور بها باقية على مقدوريتها، وكذا إن ترك إتيانها في ضمن الفرد الثاني، و كذلك الفرد الثالث، وهكذا، بل لو ترك إتيانها في ضمن جميع الافراد الطولية المتصورة لها سوى الفرد الأخير، فالافراد كلها سوى الفرد الأخير صارت غير مقدورة، ولكن الطبيعة المأمور بها باقية على المقدورية من جهة القدرة على إتيانها في ضمن الفرد الأخير، وإن أتى المكلف بهذا الفرد صار فعله مصداقا للامتثال، لا بما أنه إتيان بالطبيعة في هذا الزمان القصير، بل بما أنه إيجاد لما هو المشتمل على المصلحة أعني الطبيعة الواقعة بين الحدين.
نعم، بعد تضيق وقتها وانحصارها في فرد واحد، ليس للمولى الامر المطلق بشئ آخر مضاد له، ولكن لا من جهة أن هذا الفرد يصير غير مقدور على فرض إتيان ضده، بل من جهة أن نفس الطبيعة تصير غير مقدورة، ولا يقاس على ذلك ما إذا أمر المولى بالضد الاخر في أول الوقت، فإنه إنما يزاحم الفرد الأول لا نفس الطبيعة، والقدرة على نفس الطبيعة موجودة، فيصح الامر الفعلي بها، وإن أتى بها المكلف في ضمن الفرد الأول أيضا كان ممتثلا من جهة أنه أتى بنفس ما هو المأمور به، أعني: الطبيعة.
ومن هنا يظهر لك ما هو الحق في مسألة الاجتماع، أعني جوازه عند تعدد العنوان والجهة.